عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - تمخض الاجتماع القيادي برئاسة الرئيس محمود عباس في الثالث من ايلول / سبتمبر الماضي (2020) عن تشكيل ثلاث لجان، احداها تتعلق بالمقاومة الشعبية، لتفعيلها وتطويرها، ونقلها لمرحلة نوعية جديدة. خاصة وان المقاومة الشعبية تقلصت إلى حدود كبيرة، وإنحصرت في بعض القرى والبلدات، وإن حدثت في المدن الرئيسية في مناسبات محددة، تتقلص وتختزل باعداد غير مرئية، ولا تزيد عن العشرات من اليد الواحدة، او تقام في ميادين المدن البعيدة عن المواجهة ولالتقاط الصور ثم المغادرة، وأحيانا من يدعو لها من بعض القيادات، لا يشارك فيها.

ليس هدف المقال ولا رسالته إجراء تقييم لواقع المقاومة الشعبية، ولا للانتقاص من جهد كل مناضل، أو الإساءة لاي شخص ذي صلة بهذا الجانب مع العملية الكفاحية. انما الهدف يتمثل في عدد من العوامل ذات الصلة، منها: اولا تحديد طبيعة مفهوم المقاومة الشعبية؛ ثانيا تسليط الضوء عليها كسلاح هام وضروري؛ ثالثا تعزيز دورها الكفاحي، وحضورها الشعبي، كما يليق بها كرافعة للنضال الوطني؛ رابعا خلق الشروط والحوامل الضرورية لإعادة الاعتبار لها؛ خامسا إسهامها المباشر في رفع وزيادة كلفة الاستعمار الإسرائيلي؛ سادسا كيفية اختيار قياداتها وممثليها على الأرض، ومن اي طراز من المناضلين ... إلخ

ولتقريب المسافة للقارئ بين مفهوم المقاومة الشعبية والتجربة الوطنية الفلسطينية، فإن كل مظهر من مظاهر رفض الاستعمار الإسرائيلي لا يستخدم فيه السلاح، وخارج نطاق العمل السياسي والديبلوماسي يندرج تحت مسمى المقاومة الشعبية. بمعنى آخر، لا يمكن حصر المقاومة فقط في المواجهات في خطوط التماس مع قطعان المستعمرين وضباط وجنود جيش الموت الإسرائيلي، وإن كان هذا النموذج أو الشكل يعتبر الأرقى والأكثر تأثيرا بالمستويين الوطني، وعلى مستوى الدولة القائمة بعملية الاستعمار وجيشها ومؤسساتها المختلفة، وليس فقط الجانب العسكري، انما الاقتصادي والمالي والاجتماعي والثقافي والسيكولوجي، وانعكاسات ذلك على المشروع الكولونيالي برمته. وبالتالي لا يجوز الانتقاص من اي مظهر من مظاهر المقاومة الشعبية، انما كل اشكال المقاومة الشعبية: المقاطعة بكل مظاهرها، اللجان الشعبية في القرى والمخيمات، حماية الروح الوطنية في حقول التربية والتعليم والثقافة والفن، وحماية اماكن العبادة المسيحية والإسلامية، وفضح وتعرية سماسرة الأرض والعقارات وملاحقتهم، وحماية وصون وسلامة النسيج الوطني والاجتماعي والثقافي، وزيادة تلاحمه، حماية مؤسسات الدولة، ومحاربة الفساد ومظاهره المختلفة، وحماية القانون واسنتقلالية القضاء ... إلخ . بيد ان من يريد المقاومة الشعبية المكلفة، والمؤثرة في صانع القرار الإسرائيلي والأميركي، عليه ان يستحضر نموذج الانتفاضة الشعبية الكبرى، او كما اسميها انا "الثورة في الثورة"، لان الشعب وقيادته بحاجة إلى تجديد شباب وروح الثورة الفلسطينية المعاصرة. لا سيما واننا مازلنا نعيش مرحلة التحرر الوطني، ولم نغادرها، ومن يعتقد اننا غادرناها، يكون ساذجا ومغفلا ولا يفقه الف باء علم الثورة وفنون المقاومة.

إذًا نحن بحاجة الآن، والآن بالضبط لاستحضار روح ونموذج الانتفاضة الكبرى 1987/1993. دون ذلك يصبح حديثنا عن المقاومة دون جدوى، ولن نتمكن من إعادة الاعتبار للقضية والمشروع الوطني إلا بالشكل، والشكل الباهت. آن الأوان لرفع وزيادة كلفة الاستعمار الصهيو اميركي، وعليهم ان يشعروا كل لحظة انهم مهددون بحجارة وسواعد وصرخات الجياع والمنكوبين في وطنهم الأم، وان يتوقفوا عن العربدة والبلطجة على الجماهير الفلسطينية في القدس العاصمة وفي كل شارع إلتفافي، وزقاق وكل بقعة من الأرض الفلسطينية المحتلة في الخامس من حزيران عام 1967، وأن يعلنوا صراحة إلتزامهم بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967.

ولتحقيق ما تقدم تحتاج المقاومة الشعبية إلى قيادة ميدانية كفؤة وشجاعة ومستعدة لتحمل مسؤولياتها على كل الصعد والمستويات، ودون انتظار مردود وظيفي أو مالي او من اي نوع. وهذه القيادة يفترض ان تكون مؤهلة سياسيا، وكفاحيا، وإداريا، ولديها رصيد شعبي في الشارع، والأهم ان تكون محل ثقة الشارع الفلسطيني حيث تتواجد، وان تكون نظيفة الكف والانتماء والسيرة والمسيرة. كما يجب تأمين كل مستلزمات المقاومة الشعبية المالية واللوجستية، ورفدها بكل الاحتياجات دون استثناء. ولكن في حال بقي الحال على ما هو عليه، لن نصل إلى ما نصبو اليه، بل العكس صحيح، سيكون هناك مزيد من الإحباط والقنوط، لان عملية التآكل والانهيارات في المؤسسة الرسمية العربية يتضاعف كل يوم، مما سيترك آثارا سلبية على مزاج ووعي وحماسة الشارع الوطني.

وقبل ان اختم، ارجو من قادة العمل السياسي ان لا يبالغوا في عدد أعضاء اللجنة العليا، واقتصارها على القوى الأكثر حضورا في الشارع الفلسطيني، ولكن في اللجان الفرعية في المحافظات والمدن والقرى ممكن اشراك كل القوى والمستقلين المؤثرين في الشارع هنا او هناك ووفق احتياجات كل لجنة من اللجان. هناك الكثير يمكن الحديث عنه بشأن المقاومة، لكن ما ورد يغطي الجانب المطلوب راهنا. وقادم الأيام بالضرورة سيحمل الجواب على طموحات الناس.

 

نقلا عن الحياة الجديدة