هاني حبيب - النجاح الإخباري - في سياق ما يجري اليوم من عملية تطبيع عربي وتدرّج مع الاحتلال الإسرائيلي، نجد من الضرورة بمكان العودة إلى سياقات هذه العملية وممهداتها المبكّرة التي أدّت إلى الوضع الحالي من قيام تحالف عربي/ إسرائيلي برعايةٍ أميركيّة، ليس فقط بهدف تصفية القضية الفلسطينيّة بل برسم خارطة سياسيّة جديدة للمنطقة من شأنها تهديد كل الشعوب العربية، في هذا السياق لعلّنا لا نزال نتذكّر ذاك الجهد العربي الهادف كما قيل لتحريك العملية التفاوضيّة مع الاحتلال بصدور وثيقة باسم عدد من الدول العربية منذ أربع سنوات بالضبط، جوهر ما جاء في هذه الوثيقة خطة لتسوية مع الاحتلال الإسرائيلي وصولاً إلى إنهاء الصراع العربي/ الإسرائيلي وذلك من خلال دعوة هذه الوثيقة إلى إقامة علاقات طبيعية بين إسرائيل والمنظومة العربية، حيث لاحظت هذه الوثيقة أنّ هذه الخطة لا يمكن لها أن تتحقّق إلّا من خلال التدخّل العربي في الشأن الفلسطيني الداخلي بذريعة التوجّه نحو توحيد حركة فتح وإعادة استنهاضها كما جاء في الوثيقة، ما يشكّل تدخلاً مباشراً في تفاصيل الوضع الداخلي الفلسطيني لذلك تغطّت هذه الوثيقة بجهود ما سمته إنهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة بين الضفة وقطاع غزّة تحت سلطةٍ واحدة وسلاحٍ شرعي واحد، حسب ما جاء في هذه الوثيقة، لذلك نستعيدها الآن على ضوء ما يجري في وقتنا الراهن من تطورات على صعيد ملف التطبيع الذي بات مصدر الخطر المباشر ليس على القضية الفلسطينيّة فقط بل تهديداً مباشراً لكافة الشعوب العربيّة.
الحديث عن تحالف إقليمي دولي ليس بالأمر الجديد، خاصة مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، عندما بدأت الإدارة الأميركيّة الجديدة بالضغط على أصدقائها العرب السنّة، من أجل تأسيس تحالف إقليمي عسكري يُعرف باسم تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي أو اختصاراً بكلمة (ميسا)، ويطلق عليه رمزياً الناتو العربي، ويضم إضافة إلى الولايات المتحدة ثماني دول عربية هي: دول مجلس التعاون الخليجي الست ومصر والأردن بذريعة مواجهة العدوان الإيراني وتمدده وتهديده لهذه الأنظمة، الملف الإيراني سيشكّل الأداة والعنوان والمبرّر لضم إسرائيل إلى هذه المنظومة من خلال عملية تطبيع تبدأ هادئة إلى أن تتحوّل إلى ما نراه اليوم، حيث نشهد تسارعاً نسبياً حيث نشهد قيام تحالف استراتيجي لا يقتصر على المجال العسكري بل يتجاوزه إلى المجالات الأمنية والاقتصادية والمعرفية والتواصل الاجتماعي ليشكّل حاضنة لخارطة سياسيّة جديدة تسيطر عليها الولايات المتحدة عن بعد وإسرائيل عن قرب وفي القلب منه، وهذه المرة بتسخير الجامعة العربية لتشكّل مظلة لهذا التطوّر الخطير.
التوجّه نحو قيام الناتو العربي أو على الأصح التحالف العربي/ الإسرائيلي لم يتحقّق في السابق نتيجة لبعض العراقيل التي وقفت في وجهه من بينها تصدّع مجلس التعاون الخليجي، يضاف إلى ذلك أن هناك دولاً عربية خليجية على علاقة طيبة مع إيران مثل الكويت وعُمان، هذه الأخيرة قد لا تمتنع عن التطبيع لكنها لن تدخل في تحالف ضد إيران، والتزمت سياساتها على الدوام بتوازنات تجعل منها وسيطاً أكثر من أن تكون جزءًا من استقطاب، أما الكويت فهي لا تزال حتى الآن تمتنع عن الانزلاق إلى التطبيع وتتخذ موقفاً مؤيداً للرؤية الفلسطينية بهذا الصدد، ويضاف إلى هذه العراقيل الموقف الأردني الذي يشكّل عقبة أمام أي موقف من شأنه تصفية القضية الفلسطينية.
إنّ انخراط الجامعة العربية، لتصبح علناً إحدى أدوات الترويج للتطبيع وتشجيعه إثر موقفها الأخير الذي أدى إلى إسقاط المشروع الفلسطيني لا يعني الاستجابة لبعض الدعوات للانسحاب الفلسطيني منها، بل اتخاذ خطوات جديّة بتشكيل تحالفات في إطارها تجمع بالحد الأدنى الدول الأقل استجابة لدعوات التطبيع، ذلك أنّ الجامعة لا تزال تشكّل اعترافاً سياسياً بمنظمة التحرير الفلسطينيّة وهو ما يجب الحفاظ عليه.
 

نقلاً عن صحيفة الأيام