النجاح الإخباري - منذ ظهور الأوبئة في عالمنا الحيوي، تأخذ مرحلة انتاج اللقاحات الوقت الكثير، والذي ستكون كثرته مزعجة للمصابين، وكذلك للجهاز الصحي برمته، حيث تستهلك الأوبئة طاقة معظم العاملين في هذا الجهاز وغيره، ناهيك عن حالة الشلل التي تشمل جميع القطاعات الحيوية، والأمثلة التي يسوقها التاريخ كثيرة، نذكر منها الحصبة على سبيل المثال والتي بدأت في الظهور في القرن السابع عشر وبقيت موجودة بحالة متذبذبة حتى عام 1963، حيث كانت ذروتها وضراوتها والتي فتكت بما لا يقل عن 2 مليون من البشر، حينها تم التوصل الى اللقاح الناجع الذى أنهاها تماماً إلّا عام 1992 وأصبحت من الماضي ودخل اللقاح حينها سجل التحصينات والتطعيمات الخاصة بالبشر.

وهنا نذكر في السياق ذاته أن انتاج اللقاح علمياً يعتمد علي شرطين أساسيين يجب توافرهما بحكم الضرورة، وهي: الفاعلية والمأمونية، وقد ينجح العلماء الباحثين بدايةً في توفير شرط الفاعلية والذي يكمن في حث الجسم المحقون به على توليد الأجسام المضادة للفايروس، لكن قد يستغرق الكثير من الوقت في توفير شرط المأمونية؛ لأنه يعتمد على اجراء التجارب على معظم الشرائح من البشر، إضافةً الى تتبع ما يظهر عليهم من اختلالات صحية، ونحن الآن في خضم مخاض وباء كورونا (Covid-19) الذي لم يمر على العالم أكثر منه ازعاجاً وضراوةً في تفشيه السريع الذي أصاب البر والبحر والجو.

ووقع العالم بأسره في الفخ حيث أنه لم يميز بين الدول المتقدمة طبياً وكذلك المتخلفة عن الركب، حيث كشف المستور وعرَّى معظم الأنظمة الصحية في كامل المعمورة، ونذكر هنا وفي معركة كورونا يعمل ما لايقل عن 40 فريق بحثي في انتاج اللقاح الخاص به، موفراً لهم كل امكانيات الدولة المتاحة وغيرها، وبإشراف منظمة الصحة العالمية (WHO) التي ستؤول اليها في النهاية الموافقة والتوزيع على كل بقاع الأرض.

والجديد هنا في زمن هذا الوباء التسابق الاقتصادي المجرم والتكتلات السياسية والمحاور على مستوى العالم وطابع الهيمنة من الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد أن تستحوذ على براءة الاختراع وكذلك الحصة الاكبر من الانتاج ونذكر أزمتها المفتعلة مع منظمة الصحة العالمية.

ويقع الباحثين وشركات انتاج اللقاحات تحت مطرقة السياسي المسكون بهاجس انهيار الاقتصاد من جراء تعطل وشلل خطوط الانتاج في معظم المجالات. وسندان الأمانة العلمية التي سيتبعها تصنيف هؤلاء العلماء هل هم علماء شر يوبخهم التاريخ أم هم بلسم حياة للبشر، ناهيك أنه ظهر في خضم هذه المعركة مجموعة من البشر هم ليسوا بالقليلين علمياً وكذلك عدداً تسللوا إلى مواقع التواصل الاجتماعي يُطلق عليهم المناهضين للقاحات (Anti-Vaxxer) بما يسوقوه من أسباب كثيرة تتعلق بالمؤامرة، وما يترتب عن أخذه من أمراض تفتك بالبشر من جديد، ويعتبر ذلك من الأسباب التي تعيق انتاج اللقاحات بما يخلتقوه من أزمة ثقة ما بين اللقاح ومتعاطيه.

اجمالاً اللقاح في حالة الاوبئة يعطى للأسوياء، أما المصابيين توصف لهم الأمصال التي تجنبهم الأعراض الجانبية بأنواعها للمرض، لذا الباحثين يُفترض أن ياخذوا الوقت الكافي لانتاج اللقاح ولايقعوا فريسةً للابتزاز ويتكفل الجهاز الصحي وأجهزة الدولة في المكافحة والحد من الانتشار وتوفير المشافي والادوية والمعازل الخاصة ويكون هناك انفتاح كامل على المعلومات والاستفادة من تجارب الاخرين في السيطرة والحد من الخسائر البشرية.

وفي خصوصيتنا الفلسطينية وفي ظل التوافق الفلسطيني الجامع والذي أعتبره في هذا المقال أن أهم افرازاته هو توحيد المؤسسة الصحية في الوطن بمكافحة الوباء وتبادل الافكار والاجراءات الكفيلة بالسيطرة عليه وتوفير الحد من المناسب من السلامة والأمان للمواطنين، وأذكر هنا قول الفيلسوف الانجليزي برنارد شو الشهير (اذا كان معك تفاحة ومعي تفاحة وتبادلنا التفاحتين، سيصبح كل منا معه تفاحة، لكن لو كانت لكل منا فكرة أو طريقة وتبادلنا الأفكار والطرائق سيصبح لكل منا طريقتين وفكرتين. نتمنى أن يُسفر توافقنا عن كل ما يطمح إليه شعبنا ودرة تاجه الآن سلامة أبنائه.