أحمد حمودة - النجاح الإخباري - باحث في علوم الإعلام والاتصال الرقمي.
لقد قامت فكرة "صحافة صانع المحتوى" بعد أن وسّع الإعلام التّقليديّ الفجوة بين المواطن والحكومة من جهة وبين المواطن والمؤسّسات الإعلاميّة من جهةٍ أخرى، ممّا أدّى إلى انخفاض مشاركة المواطنين في الحياة السّياسيّة والاجتماعيّة، فجاءت تلك الصحافة باعتبارها حركة إعلاميّة إصلاحيّة. الأمر الذي ساهم في تشكيل ملامح جديدة لجمهور جديد تمامًا، ويمكن تلخيص أهمّ ملامحه في؛ القدرة على صناعة الحدث الإعلاميّ، وتوجيه الرّأي العام، والقدرة على إنتاج المعنى وإعادة تفسيره بعدما كان المتلقي يكتفي باستقبال الرّسالة، ومساهمتها بالكشف عن الهامشيّ والمسكوت عنه، انطلاقا مما يدخل في اهتماماته الخاصّة والضّيقّة، وهو ما لم تُرِدْ بعض المؤسّسات الإعلاميّة الكلاسيكيّة مواكبته بسبب الأجندة المسبقة التي تقيّدها والتي غالبًا ما ترتبط بالقضايا الكبرى والتّحرّر من قيود السّلطة بأبعادها الكلاسيكيّة المختلفة، والتّكتّل في جماعاتٍ افتراضيّةٍ متجانسةٍ أكثر فأكثر وضاغطة حتّى صار الجمهور يشّكل سلطةً حقيقيّةً يمكن تسميتها بالسّلطة الخامسة. 

وعلى هذا الأساس فإنّ المجال العموميّ ليس معطى تُفرزه وسائط الإعلام الكلاسيكيّة والتّقليديّة أو الميديا الجديدة، وهو ليس مؤسسةً يمكن إنشاؤها بقرارٍ سياسيٍّ، وإنّما هو نتاجٌ تفاعله مع السّياق السّياسيّ والثّقافيّ، وبتعبيرٍ آخر فإنّ الفضاء العموميّ الفسيح الذي أضحت تطبيقات صحافة صانع المحتوى تمثّل أحد مكوّناته، في المجتمعات العربيّة ليس نتيجةً حتمّيةً فرضتها علينا العولمة التّكنولوجيّة، إنمّا تشكّل في سياقٍ كان فيه النّظام الإعلاميّ الوطنيّ عاجزًا، بسبب الإدارة السّلطويّة والنموذج التقليدي للإعلام، عن إدماج الأفراد والجماعات المتعلّمة والمنفتحة على العالم والطّامحة إلى المشاركة في الشّأن العام.

إجمالاً لقد أفرزت صحافة صانع المحتوى فضاءات بديلة تشاركيّة وتفاعليّة تضمُّ جماعات افتراضيّة، وأشكالاً من المداولة والنقّاش ذات علاقة وطيدة بالشّأن العام، وسمحت للنّخب المُهمشَّة والبعيدة عن المجال العام التّقليديّ الذي تسيطر عليه الدّولة بالمشاركة وتنشيط الرّأي العام عبر مناقشاتهم وتفاعلهم مع بعضهم ومع السّياسيين وصانعي القرار. 

وبناءً عليه: فإنّ ما نراه من فرصٍ في جمع الأخبار ورصدها عبر منصّات الميديا الاجتماعيّة سيشكّل العمود الفقريّ في الصّناعة الخبريّة والإعلاميّة، خصوصًا في طرق وأساليب التّعاطي مع المعلومات الضّخمة وإخضاعها للتّحليل والنّقد والتّوظيف، كما ستشهد الغرف الإخباريّة الذّكيّة أنماطًا جديدةً في بيئات العمل، تتطلّب مواكبةً فاعلةً للتّعاطف مع هذا الكمِّ الهائل والمتزايد من المعلومات في بيئة المجال العمومي.

ختامًا، شكّل تطوّر تكنولوجيات الاتصال وتنامي فعل العولمة في بروز إعلام جديد وصحافة جديدة بوصفها استخدامات واحتياجات بدأت في التشكّل في علاقة بالحراك الاجتماعي، وممَا يجعلها قادرة على مساهمة مع شبكات الميديا الاجتماعية في رسم مميّزات صحافة المستقبل وصحافييها.

والنتيجة، أصبح هذا المفهوم يلقى قبولاً وشعبيّةً متزايدةً لاستخدامه من قبل الأكاديميين والمهنيين، وقد استمدَّ شرعيّته من الضّغوط المتزايدة التي مارسها الجمهور انطلاقًا من استخدامه لصحافة المواطن التي وصلت ذروة سلطتها مع مساهماتها الدّراماتيكيّة في الحراك الاجتماعيّ والسّياسيّ الذي شهدته وتشهده الأحداث الواقعة.