رولا أبو مسلم - النجاح الإخباري - بموجب الاعتراف الدولي 138 عام 2012، تعتبر منطقة غور الأردن الحدود الشرقية لدولة فلسطين، على امتداد طوله 121 كم وعرضه ما يقارب 15 كم وهو القطاع الشرقي للضفة الغربية، والأغوار هي سلة الغذاء الفلسطيني طوال العام، وما وراء ذلك أسباب كثيرة تبدأ بخصوبة التربة وصولاً لوفرة المياه حيث أكبر حوض للمياه في الأغوار، وفي ظل مساحة شاسعة من الأراضي، ومناخ يصلح لأنواع عديدة من الزراعة، منها ما هو موسمي ومنها ما هو نوعي نظرا لتفرد المنطقة بالمناخ الحار صيفاً والدافئ في الشتاء.

إن الأغوار تواجه تهويداً إسرائيلياً متعمداً، فمنذ عام 1967 بدأ بالسيطرة على 55% من إجمالي مساحة الأغوار، والمطامع هنا كثيرة وكلها مغلفة بالسياسة لكن مغزاها اقتصادي، فهناك وجدت إسرائيل مساحة ممتازة لبناء مستوطنات جديدة، أغلبها زراعي ويسكن فيها اليهود المتدينون وتتحقق فيها أسس نشأة الدولة العبرية بالاعتماد على المستوطنات الزراعية، وفي الأغوار وجدت إسرائيل ملعباً كبيراً لتدريبات جيشها، التدريبات هناك لا تتوقف على مدار العام، ويحاكي فيها الجيش الإسرائيلي كل الحروب المتوقعة مع الجبهات المحيطة (غزة، لبنان، سوريا) وربما غيرها. وفوق كل ذلك يملك الاحتلال مساحات شاسعة للزراعة وتحديدا زراعة النخيل، فهناك آلاف أشجار النخيل، كلها مزارع إسرائيلية يشرف عليها تجار ومزارعون ومهندسون إسرائيليون، وينتج فيها آلاف الأطنان من التمر، جزء كبير منها يسوق على أساس أنه فلسطيني الإنتاج (للدول التي تقاطع البضائع الإسرائيلية) وجزء آخر يخرج باسم الأرض المقدسة وتصدر للشعوب التي لم تعد تعرف من يسكن هنا.

قبل فترة، التقيت بمزارع من الأغوار، سألته عن آخر صيحات الإرهاب الإسرائيلي بحقهم، لم يجب، لكنه بدأ يحدثني قصصاَ ورثها عن ذاكرة والده، وأخبرني أن عدد الفلسطينيين هناك كان يتجاوز 300 ألف واحد عام 67 وكلهم كانوا يعمرون الأرض ويفلحونها، ثم يتساءل أين هم الآن؟

كل ما فعله الاحتلال هو إجابة صريحة على هذا السؤال، فالاحتلال سبقنا بالتخطيط كعادته، إنها دولة قائمة على التخطيط طويل الأمد، الذي ينوي بشكل علني السيطرة على فلسطين، على أكبر قدر ممكن من فلسطين وبأسرع وقت.

في الأغوار، معركة اقتصادية، إن خسرناها خسرنا الدولة، فلا دولة بدون اقتصاد ولا أحد في العالم سيوافق على قيام دولة ستظل معتمدة على المساعدات والهبات، في وقت تحاول فيه دول العالم لتقليل مصروفاتها والانسحاب من كل التزاماتها المالية في الشرق الأوسط حتى لو كان ذلك على حساب مطامعها الاستعمارية لنهب الثروات أو التحكم بمقدرات الشعوب، فالاستعمار بات مكلفا على الجميع، لكننا قد نستثني إسرائيل من هذه المعادلة، فهي دولة محتلة وتجني أرباحا من هذا الاحتلال، إذن هو مشروع استثماري مغري ومربح وناجح، وسوف يتعزز نجاحه الآن بضم الأغوار.

ضم الأغوار يعني المزيد من الإنتاج الزراعي، المزيد من المياه، المزيد من أعداد السياح، المزيد من فرص العمل والمزيد من التمدد الديموغرافي. وعلى العكس من كل ذلك سوف يحدث في فلسطين، أو فلسطين المنشودة، أي الدولة التي يحلم بها الناس هنا. لا يمكن لأي دولة أن تستمر بلا مصادر مياه كافية، أو إنتاج زراعي يلبي ثلثي احتياجاتها على الأقل، ولا يمكن لأي دولة أن تصمد بلا فرص عمل للشباب، أو مساحة مدروسة وكافية للتمدد العمراني، بدون طرق متواصلة تربط بين مدنها و قراها، أو حدود واضحة مع جيرانها. أما وإن حدث ذلك فستكون شبه دولة، ربما دويلة، أو نصف دولة أو ربع أو ثلاثة أخماس مثلا لا أعرف، ما أعرفه أن إسرائيل لم تترك لنا مجالا حتى لتسمية هذه الدولة المنهوبة من كل شيء، فقد أطلقت عليها اسم الجيوب، إننا في عهد الجيوب الفلسطينية الآن، وإذا ما تم الضم سنكون جيوبا، وحدها الأغوار من ستحسم المعركة الآن، إما أن نكون دولة أو نكون جيوبا، المعركة هناك الآن والقرار بيدنا.