نابلس - عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - بالمعنى الحقيقي للكلمة لا يوجد في الساحات العربية قوى تغيير. وإن وجدت قوى وأحزاب وحركات ومجموعات عربية وطنية وقومية ويسارية ديمقراطية للأسف الشديد، وجودها شكلي، لإنها في ميدان الفعل لم تعد حاضرة، ولا يوجد لها تأثير في المشهد السياسي بمستوياته المختلفة. حملت سنوات نهاية ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي تراجع حاد في مكانة تلك القوى، وتجلى بؤس حالها بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي ومنظومته الإشتراكية مطلع التسعينيات، بعدما ضاعت فكريا وسياسيا، فضلا عن التآكل والإنهيارات التنظيمية والمالية والكفاحية. باتت أوراقها وملامحها ومكوناتها في مهب الريح، وغابت هويتها، ولم يبق إلآ الإسم والعنوان الفضفاض، الذي لا يمت بصلة للواقع. وإن بقيت بعض القوى الوطنية ممسكة بزمام أمورها نسبيا، فهي الإستثناء، وليست الصورة العامة لواقع القوى حاملة مشعل التغيير. حتى باتت هي ذاتها تحتاج إلى تغيير، وثورة داخل كل بنائها ورؤيتها وآليات عملها.

حتى القوى والإئتلافات القومية، التي تشكلت خلال هذة المرحلة وقعت تحت تأثير قوى دينية، أو قوى غير مؤهلة لحمل معول التغيير، وتابعة لإجندات أنظمة سياسية بعينها، أو قوى قومية، هي بالأساس مأزومة، وتعاني من الهزيمة والإغتراب عن الواقع، وليست محل ثقة الشارع في بلدانها، وحتى بعضها، التي إستيقظت الجماهير على غبنها فيما مضى، مازالت كل تلك القوى بتفاوت بطبيعة الحال محدودة الفعل، وبعضها لا علاقة لها بالفعل والتاثير إلآ بأخذ الصور وإصدار البيانات على اهميتها، لكنها شكلية جدا.

إذا واقع الحال العربي الرسمي والشعبي في حالة صعبة ومعقدة، ومحاصرة بكوابح الهزيمة والأغلال والقيود، التي تحيط بها، وتفرضها على ذاتها لإعتبارات سياسية ومالية، ولعدم قدرتها على تمثل روح العطاء والدفاع عن مشروعها القومي العربي النهضوي. لكن لم تفت الفرصة، رغم انها مازالت تراوح في غرفة الإنعاش، لإنها في حالة موات كلينيكي. بيد ان تفشي فايروس "كوفيد 19"، والتحولات الجارية في العالم ككل إنطلاقا من البيئات الوطنية والإقليمية والعالمية، باتت مهيئة لإلتقاط الأنفاس، والخروج من العناية المركزة، والإستفادة من اللحظة الإستثنائية الموجودة، خاصة وان الأنظمة السياسية في العالم، وليس في البلدان العربية تعاني من أزمة حقيقية نتيجة فشلها في مواجهة الكورونا، ومظاهر التعب والإنهاك، والتراجع في القطاع الإقتصادي والركود الحاد الملازم لإزمة الكورونا، وإحداث تغييرات في البيئة الإجتماعية والإقتصادية والقانونية والثقافية والدينية، يفترض انه يمهد المناخ لولادة معاصرة لقوى التغيير. حيث اثبتت الكورونا سقوط التيارات الدينية كلها وبمسمياتها المختلفة، وبالمناسبة هذا سابق على الكورونا، لكن إنتشار الوباء العالمي قضى على كل عوامل القوة في اوساط قوى الدين السياسي بدءا من الإخوان المسلمين حتى ما يسمى أحزاب الله وما بينهما من قوى أمثال "داعش" و"النصرة" وكل المسميات الفاسدة، وأثبتت الأحداث إفلاس تلك القوى، وباتت تضمحل وتتلاشى. وأنتهى دورها، لإنها لم تعد مؤهلة للقيام بالدور المنوط بها. فضلا عن ان اسيادها في اميركا والغرب الرأسمالي وإسرائيل وإيران باتوا في حالة تأرجح غير مسبوقة في المشهد الإقليمي والعالمي، وإن كانت عملية الإنزياح تحتاج إلى بعض الوقت.

إذا المشهد الماثل الآن في الساحات الوطنية والقومية العربية يتيح الفرصة لقوى التغيير الوطنية والقومية واليسارية الديمقراطية التوقف أمام ذاتها، وتجربتها الماضية بما لها وعليها، وإشتقاق برامج عمل على المستويات الوطنية والقومية والأممية. وهذا يحتاج إلى عقد مؤتمرات عبر الفيديوكونفرنس، أو الإتصال عن بعد لمناقشة كل الهياكل والبرامج، وعمليات التمويل للأحزاب والقوى، وأشكال النضال، والعلاقات المحلية والقومية وعلى المستوى الدولي، وكذلك البحث في علاقات الشراكة القومية على ارضية برنامج قومي ونهضوي مشترك بين مختلف التيارات القومية واليسارية بعديا كل البعد عن القوى الدينية، وعلى ارضية القواسم المشتركة الجامعة، وبعيدا عن تغول وتسلط الأنظمة السياسية القائمة وأجنداتها.

آن الآوان للنهوض القومي الديمقراطي العربي. وحانت اللحظة السياسية المناسبة لإلتقاط الفرصة التاريخية. ولم يعد مقبولا البقاء في العناية المركزة. فهل تلتقط القوى الحقيقية صاحبة المصلحة الإستراتيجية في التغيير الفرصة وتستعيد عافيتها، ام ستبقى تراوح مكانك عد؟ ابواب التاريخ الآن مفتوحة على مصاريعها لمن يريد ركوب قطار التغيير، إحزموا قراركم وإمضوا إلى الأمام، لإن التاريخ لا يرحم.