عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - انتخابات الكنيست الـ23 الأخيرة مطلع الشهر الحالي أضافت زخما جديدا للقائمة المشتركة بحصولها على 15 مقعدا، وكرستها كقوة أساسية في المشهد السياسي الإسرائيلي، لم يعد بمقدور أية حكومة القفز عنها، والتغافل عن دورها، حتى لو كانت حكومة وحدة، وأيا كانت نزعاتها العنصرية، لأن مكانتها، وثقلها في الخارطة الحزبية والسياسية تستمده من التفاف الجماهير الفلسطينية خلفها، التي منحتها التفويض لتمثيلها، ليس هذا فحسب، بل إن شريحة من المجتمع الإسرائيلي المؤمن بالسلام، والرافض لقانون "أساس القومية للدولة اليهودية"، والمؤيد للمساواة، باتت تدعم توجهاتها، وصوتت لها بأعداد متزايدة نسبيا.

صحيح أن سقوط الجنرال غانتس في شرك نتنياهو، وارتداده إلى حاضنة اليمين المتطرف، وهو بالمناسبة موقعه الطبيعي، شكل صفعة للقائمة المشتركة والقوى الإسرائيلية، التي راهنت للحظة عليه. لكن أقطاب المشتركة لم يفاجأوا باستدارة غانتس، بل كان لديهم الإدراك المسبق، بأن الرجل لا يمكن الرهان عليه. وعندما أوصوا الرئيس الإسرائيلي بتكليفه لتشكيل حكومة الأقلية، كانت أيديهم على قلوبهم. لكن لم تكن توصيتهم به محبة، أو مجانية، ولا هي ثقة به، إنما كانتاستنادا إلى اتفاق محدد المعالم، تقوم ركائزه على إسقاط نتنياهو، وإخراجه من شارع بلفور، بالإضافة للحصول على العديد من الإنجازات لصالح الجماهير الفلسطينية في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، منها: إلغاء قانون كامينتس، الاعتراف بالقرى غير المعترف بها في النقب، زيادة الموازانات للمجالس القطرية، إعادة النظر بالخرائط الهيكليةللمدن والبلدات والقرى الفلسطينية، والعمل على إسقاط قانون "أساس القومية للدولة اليهودية"، ودعم خيار السلام على أساس حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967. غير أنه عاد إلى حاضنته، وموقعه الأساس كصهيوني يميني، وانقلب على برنامجه المعلن، وأطلق الرصاص على رأس تحالف "كاحول لافان"، وتخلى عن كتاب التكليف دون مقابل، أو بثمن بخس، وسلم رأسه وحزبه "مناعة إسرائيل"لرئيس حكومة تسيير الأعمال المتهم بثلاث قضايا فساد، وغرق في مستنقع أحابيل نتنياهو. وهذا الانقلاب لم يكن مفاجئا لزعماء القائمة، ولا غائبا عن حساباتهم، وسيناريوهاتهم، بل مأخوذبعين الاعتبار، ولديهم البدائل.

الآن وبعد خلط الجنرال الجبان الأوراق في المشهد الحزبي والسياسي الإسرائيلي ما العمل؟ وماذا سيفعل زعماء المشتركة؟ وما هو السيناريو الواقعي لعمل القائمة في ظل المعطى الجديد؟ وهل تأثر وزن ومكانة القائمة المشتركة سلبا؟ وهل سيسلمون ببقاء تحالف نتنياهو غانتس على سدة الحكم؟ وما هي بدائلهم؟... إلخ من الأسئلة ذات الصلة تدور في أوساط المراقبين للمشهد الإسرائيلي.

من المؤكد كان سيكون وضع "المشتركة" أفضل نسبيا في حال حافظ غانتس على اتفاقه،وفيما لو شكل حكومة أقلية، لأن الهدف الأساس كان سيتم، وهو إبعاد زعيم الليكود عن كرسي الحكم. لكن رب ضارة نافعة، لا سيما أن الجنرال لم يكن أهلا للحكم، ولم يكن جاهزا، ولا مستعدا لتنفيذ وعوده لأقطاب المشتركة، لأنه لا يختلف نهائيا عن نتنياهو وائتلافه اليميني الفاشي. وعليه فإن المعادلة بالمعنى الدقيق للكلمة لم تتغير كثيرا على القوى الفلسطينية وأنصارها في الشارع الإسرائيلي كيف؟ وعلى
أي أساس؟ لأكثر من سبب، منها أولا،لأن المشتركة ليست جزءا من الحكومة، وكانت ستبقى في الظل؛ ثانيا،سيلزمها اتفاقها مع غانتس على التصويت لحكومته المشلولة والمتعثرة؛ ثالثا، سيحسب عليها لاحقا كل تبعات سياسة حكومة صهيونية متطرفة؛ رابعا،كما أن الحكومة لن تصمد كثيرا، وستسقط في أول اختبار بعدم تنفيذ أي من بنود الاتفاق. وبالتالي الآن وجودها في المعارضة بالإضافة لأحزاب "هناك مستقبل" بزعامة يائير لبيد، الذي سيكون زعيم المعارضة، مع "العمل ميرتس" بزعامة عمير بيرتس، و"تيليم" بزعامة موشي يعلون، و"يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان، يعطيها القدرة على المناورة بحرية أكبر، كونها تحتل الموقع الثاني في المعارضة، لأن لبيد ويعلون سيقفان سويا كفريق واحد، كونهما كانا جزءا من التحالف المنحل "أزرق أبيض". أضف إلى أنها ستدافع بقوة عن برنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وستشكل رافعة لذاتها، ولجماهير الشعب الفلسطيني العربي في داخل الداخل، وللقوى المؤيدة لها في الشارع الإسرائيلي، ما يوسع مساحة رصيدها في أوساط الشرائح والفئات المؤيدة للسلام، وهو ما يفتح الأفق لبناء قواعد شراكة فلسطينية إسرائيلية. وسيساعدها صراع الديكة الصهاينة على كعكة السلطة على تبلور مشروعها، لا سيما أن الأزمة السياسية والحزبية الصهيونية تتعمق كل يوم، ولم ولن تكون حكومة المصالح النفعية لنتنياهو غانتس مخرجا لإنهاء الأزمة، بل ستكون محطة جديدة لتوسيع نطاقها. وسيكون وجودها في لجان الكنيست مؤثرا ومهما من خلال دفاعها عن مصالح ممثليها. 

كما أن المشتركة ستكون جاهزة ومستعدة للتعامل بمرونة لاستثمار والاستفادة من كل المتغيرات في المشهد الإسرائيلي. وستبقى لاعبا أساسيا، وصعبا في مواجهة التحديات المنتصبة أمامها. وليس كما يفترض أصحاب المواقف العدمية في الساحة الفلسطينية.

 

نقلا عن الحياة