نبيل عمرو - النجاح الإخباري - في وقت ما نسميه بالزمن الجميل، كانت فلسطين الشعب والثورة هي اكثر الظواهر تألقا في مجال الديموقراطية وآليات العصر الحديث.

كان العمل الجماعي هو الهوية او العلامة الفارقة للجهد الوطني داخليا وخارجيا، كان في بيتنا فصائل وقوى مختلفة واحيانا متناقضة، الا انه لم يكن لدينا انقسام على مستوى الوطن.

كان العالم يقتبس عنا اهم ما انجزناه ونحن بلا أرض ولا دولة ولا سلطة، اعلامنا كان هو الأقوى مع اننا كنا نمتلك أدوات بدائية، وديبلوماسيتنا هي الافعل، لأن كل ممثل لنا في أي مكان على وجه الأرض كان يجعل من سفارتنا او مكتبنا قاعدة عمل نشطة في كل المجالات.

ورغم عدم تكافؤ القوى العسكرية والاقتصاية مع خصومنا التي كانت أمريكا بقضها وقضيضها هي من يعلن ويمارس الحرب علينا، الا اننا تمكنا من حماية انفسنا وتوسيع مجالات نفوذنا، الى ان دعانا العالم كله لكي نلقي كلمة فلسطين من اعلى منبر دولي.

كلمة سر هذه الحياة المتجددة للظاهرة الفلسطينية في الزمن الجميل، هي نجاحنا في بناء المؤسسات داخل الوطن وفي المنفى، ونجاحنا كذلك في استقطاب الشعب الفلسطيني كله، ليس بالدعاية والمال، وانما بالاندماج مع همومه وتطلعاته وكسب ثقته ويقينه في ان الثورة هي ملك له وان صناعها هم أبناؤه.

في الزمن الجميل الذي لم يعشه كثيرون من أبناء هذا الشعب، كانت الظاهرة الفلسطينية واحدة من اهم الظواهر الثورية في العالم، قليلون ربما يعرفون انه بعد انتصار الثورة الفيتنامية سلم علم الثورة العالمية لفلسطين.

ماذا بقي من ذلك كله؟ سؤال يجدر بنا كفلسطينيين ان نجيب عنه بصراحة وامانة لا ان نزور الإجابة بادعاءات وتزويقات تضر اكثر بكثير مما تنفع، حين نقر بأن الزمن الجميل قد افل وذهب بعيدا عنا، ونلامس أسباب ذلك، فساعتئذ نكون قد وضعنا اقدامنا على الطريق الامن والمضمون للحل.

انني اشعر بالاسى حين تتفشى ظاهرة عبادة الفرد في حياتنا بعد ان انقرضت في كل مكان على وجه الأرض، واشعر بالاسى حينما نربط إرادة الشعب الذي صار يعد بالملايين، بمصالح فصائل عدد سكانها لا يتجاوز عدد سكان قرية متوسطة، واشعر بالمرارة حين يتسائل سياسيون وقادة احترفوا الفشل ... "ما هي جدوى الانتخابات ؟ اليس التوافق افضل واضمن ...."

طبعا هو افضل واضمن للبقاء في السلطة حتى الممات.

خلل النظام السياسي ومجافاته للانتخابات أطاح بإمبراطوريات عظمى ولم تعد الى لعب دور مرموق الا حين اشركت الشعب في القرار عبر الانتخابات.

 قد يقول قائل ، ولكننا لسنا دولة حتى تنتظم الانتخابات في حياتنا ونقول لاصحاب هذا الادعاء ان معتقلينا في السجون يختارون قيادتهم بالانتخاب، ومجالسنا المحلية تكتسب شرعيتها بالانتخاب، وطلبتنا الذين ينتمون الى جيل الشباب الذي نسبته تفوق الخمسين بالمائة يلتزمون بالانتخاب لتجديد قيادتهم، فلماذا عندما نصل الى الانتخابات التي تشرك الشعب كله في القرار تخترع الطبقة السياسية معوقات لتبرير عدم اقدامها عليها.

ان ما يتداول في سوقنا السياسي وبكل اسف بضاعة منقرضة غير موجودة الا عند طبقتنا السياسية.