توفيق أبو شومر - النجاح الإخباري - إليكم هذا الخبر الذي شغلَ إسرائيلَ أياماً عديدة، حتى كتابة هذا المقال:
اعتقلتْ السلطات الروسية في مطار موسكو فتاة إسرائيلية (مسكينة) جميلة، اسمها، نعمة، أو نعماه إسكار، خريجة الدفيئة العسكرية الإسرائيلية، كانت هذه (المسكينة) تنوي زيارة أمها المسجونة منذ زمنٍ في موسكو!! صور نعمة، احتلت كلَّ وسائل الإعلام، على الرغم من أن حدثَ اعتقالها جرى منذ أكثر من خمسة شهور. اعتُقلت لأنَّ مفتشي المطار وجدوا معها مخدر الماريغوانا، الممنوع في روسيا، حُكم عليها قضاة المحكمة بالسجن.
غير أن صحف إسرائيل قررتْ أن هذا الاعتقال جائر، لأن الكمية المضبوطة، هي فقط تسعة غرامات ونصف، انشغلت الصحف في إظهار صورها، تارة باللباس العسكري، وطوراً آخر بلباس البحر، وهي تبتسم، أكملوا هذه الهجمة الإعلامية بفيديوهات مع أختها، لياد، الجميلة تحكي عن حياة أختها، طيبتها، عفتها، كرمها، إخلاصها.
أخيراً، توَّجَها الإعلامُ الإسرائيلي كضحية يهودية. على إثر ذلك، تظاهرَ مئاتُ الإسرائيليين، يوم 29-10-2019  في ساحة، هابيما، في تل أبيب، رفعوا شعاراً يقول: (العدالة لنعمة)!! ( حياة البشر ليست لعبة في أيديكم)!!
لم تنتهِ قصة نعمة عند هذا الحد، بل دفعوا رئيس وزرائهم نتنياهو ليكتب رسالة استعطاف للرئيس الروسي، بوتين، يطلب الإفراج عنها. أما رئيس الدولة، رؤوفين رفلين، فقدَّم مناشدةً بليغة للرئيس، بوتين! وكذلك فعل بقيةُ السياسيين!!»

أما القصةُ الثانية فحدثت في أميركا، ليس في روسيا:
« أدين المتهم اليهودي الأميركي،  Randy Halprin  مع سبعة آخرين بقتل ضابط السجن Aubrey Hawkinx، والهرب من السجن في تكساس عام 2000.
حكم القاضي الأميركي، Vickers Gunningham بالسجن المؤبد على المُتَّهم، يوم، 10-10-2003 ، أربعةٌ من المتهمين معه أُعدموا، أما الخامس فهو ينتظر تنفيذ حكم الإعدام، أما السادس فقد انتحر قبل أن يُلقى عليه القبض، لم يبق في السجن سوى اليهودي، هلبرين!
نظَّم تجمعُ القادة اليهود في أميركا حملةً لإعادة محاكمته، ووجهوا رسالة للنائب العام، يتهمون القاضي فيكرز غننغهام  باللاسامية. لأنه كان يقول للمتهم، أثناء المحاكمة:
اليهود يستحقون الموت، لأنهم يتحكمون في المال!!
وجَّه خمسةٌ وسبعون شخصية من مختلف القطاعات والجمعيات اليهودية المناصرة لإسرائيل رسالة مماثلة للنائب العام، يطالبون بالإفراج والاعتذار للمتهم، على ضوء ذلك ستُعاد محاكمة راندي هلبرين من جديد! (صحيفة، إسرائيل هايوم 12-9-2019)».
للقصتين السابقتين جذرٌ تاريخيٌ أسطوري، يتمثل في قصة الضابط اليهودي الفرنسي، ألفرد درايفوس، اتُّهم بتسليم وثائق عسكرية للسفارة الألمانية المعادية لفرنسا عام 1894، حُكم عليه بالسجن المؤبد، والنفي إلى جزيرة، ديابل، (الشيطان).
انبرى، مؤسس الصهيونية الصحافي تيودور هرتسل، ومعه الأديب والروائي إميل زولا، لإثبات براءة، درايفوس، وتمكنوا من الحصول على البراءة، لم يكتفوا بذلك، بل أعادوا إليه رتبته العسكرية، لم يَرضَوْا بهذا، بل منحوه وسام الشرف الفرنسي، ولم يكتفوا بما سبق، بل أصروا على دفن جثمانه في مقبرة العظماء في فرنسا، ثم حوَّلوه إلى أسطورة في المناهج التربوية، والأفلام الوثائقية، نشروا مذكراته الشخصية، ليرسموا به صورةَ اليهودي المُتجنَّى عليه، المظلوم!!
هذه القصة دفعت هرتسل لتأسيس الحركة الصهيونية، والتخطيط لتأسيس إسرائيل!
هكذا تُخترع البطولاتُ، ثم تُصقل لتصبح أبرز ثروات الشعوب! وليس كما هو الحال في دول الزوال والغروب، حينَ يُهالُ الترابُ على الأبطال الحقيقيين، وتُودع سِيَرُ الأبطال في خزائن النسيان، ويغدو الموتُ غايةَ الأجيال!!

الايام