عبير بشير - النجاح الإخباري - يعد الحشد الشعبي من أخطر الظواهر التي تهدد الدولة العراقية وتضعها على المحك، بعد انتهاء مهامه القتالية وانتهاء مبرر وسبب وجوده بعد تحرير المحافظات العراقية من سيطرة داعش وطرد التنظيم الإرهابي إلى الصحاري بعيدا عن حواضر المدن العراقية. وموطن التهديد يكمن في أن الحشد الشعبي الموالي لطهران، يمثل “حصان طروادة” بالنسبة للمشروع الإيراني في العراق، ووجود الحشد الشعبي وديمومته على شاكلة الحرس الثوري الإيراني يعني تمكين وتمديد هيمنة إيران على العراق ومقدراته.
وبعد انتهاء معركة الموصل ضد تنظيم داعش، كان الحشد الشعبي قد تحول إلى أكبر قوة عسكرية، وفاقت سطوته أجهزة الجيش العراقي، كما سارعت تلك الميليشيات بتشكيل المكاتب الاقتصادية التي كانت شريكة في كل عمل تجاري واستثماري في المناطق التي عرفت لاحقاً بالمحرّرة من "داعش".
ولأن هذا الحشد كبر وتغول، قامت بعض القوى  خلال رئاسة حيدر العبادي للحكومة إلى طرح قانون الحشد الشعبي، لتحويله إلى مؤسسة شبه عسكرية تابعة للحكومة العراقية. ففي تشرين الثاني 2016 أقر البرلمان العراقي بالأغلبية قانون الحشد الشعبي، وسط مقاطعة نواب تحالف القوى العراقية السني الذي عدّ إقرار البرلمان القانون "نسفا للشراكة الوطنية". ونص قانون "الحشد" على أنها ستكون قوة رديفة إلى جانب القوات المسلحة العراقية، وترتبط بالقائد العام، ولا يسمح بالعمل العسكري داخل صفوفه.
وهدفت خطوة العبادي هذه إلى محاولة ردع نوري المالكي وهادي العامري عن مواصلة تسييس قوات الحشد الشعبي، والمضي في خيار تحجيم الحشد الشعبي، الذي يمكن أن يؤدي أيضاً إلى تقليص من نفوذ الدائرة اللصيقة بالمرشد الأعلى في طهران .
ومع تولي عادل عبد المهدي رئاسة الوزراء، عاد ملف الحشد الشعبي إلى الواجهة، وذلك مع إصدار عبد المهدي مرسوما بتنظيم عمل الحشد، وتزامنت هذه الخطوة مع اتهامات باستهداف مواقع نفط سعودية بطائرات مسيّرة انطلاقاً من العراق، واستهداف مواقع أميركية داخل العراق، في إطار شد الحبال بين واشنطن وطهران، فضلاً عن تسريبات تحدثت عن ضغوط أميركية على الحكومة العراقية، رامية لتحجيم قدرة المليشيات العراقية.
ويبدو أن الحكومة العراقية، أرادت أن تقول لفصائل الحشد الشعبي من خلال هذا المرسوم : إما أن تكونوا جزءا من المنظومة الأمنية أو أن تكونوا خارجها، وفي هذه الحال لن تتحمل الدولة أي تداعيات قد تحدث.
ووفقاً للمرسوم الحكومي، فإن "قوات الحشد الشعبي يجب أن تعمل كجزء لا يتجزأ من القوات المسلحة"، وخيّر المرسوم فصائل الحشد الشعبي بين العمل السياسي أو العسكري، في سياق أن الفصائل التي لا تلتحق بالقوات المسلحة، يمكنها أن تتحول إلى تنظيمات سياسية، خاضعة لقانون الأحزاب، بشرط ألا تحمل السلاح إلا لمقتضيات حماية مقراتها، وبإجازة رسمية. وأوضح المرسوم أن جميع التسميات لفصائل الحشد الشعبي في المعارك ضد تنظيم داعش سيتم التخلي عنها نهائيا واستبدالها بالتسميات العسكرية المعروفة بها. في خطوة قد تكون المرحلة الأخيرة لتحويل قادة الحشد الشعبي إلى ضباط بصفة رسمية أسوة بضباط الجيش العراقي مع الحفاظ على كيان الحشد المستقل.
ورغم أن مرسوم عبد المهدي أمر، "بإغلاق جميع مقرات الحشد الشعبي، داخل المدن وخارجها، بما فيها المكاتب الاقتصادية أو نقاط التفتيش، وحظر نقل القوات أو تخزين الأسلحة أو تصنيعها" دون معرفة رئيس الوزراء، وركز على ضرورة تحديد معسكرات تجمع قوات الحشد الشعبي أسوة ببقية القوات المسلحة، وخضوعها لما يعرف عسكريا بنظام المعركة وفق سياقات القوات المسلحة. غير أن المرسوم لم يحدد الحدود الجغرافية للحشد ولا القدرات التسليحية، ولا  صلاحيات الحشد، بمعنى هل سيكون للحشد  صلاحيات سيادية عابرة للفيدراليات؟ وهل سيكون منصب رئيس هيئة الحشد منصبا سياديا أسوة بوزير الدفاع والداخلية؟
ويتوقع المراقبون، من "قوات الحشد الشعبي" أن تنتقل تدريجياً من قواعدها الصغيرة المتعددة إلى معسكرات أكبر. وهذا يعني أن وحداتها ذات الأغلبية الشيعية ستنسحب تدريجياً من محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك والأنبار.
وفي الخطة النظرية التي يتصورها الزعماء العراقيون، سيتم سحب وحدات "الحشد الشعبي" إلى أربع مناطق إقليمية، هي: دائرة المناطق الريفية خارج بغداد، ومحافظة ديالى شمالي شرق بغداد، ومدينة سامراء الغنية بمقاماتها الدينية شمال بغداد، والجانب الصحراوي الممتد من مدينة كربلاء المليئة بالمزارات وصولاً إلى الحدود السعودية.
ومبدئياً، سيتم سحب "قوات الحشد الشعبي" من المناطق السنية فقط لكي تشكل حزاماً دفاعياً بين المناطق العراقية ذات الغالبية السنية والمناطق الشيعية. وسيتم تقليل وجود "الحشد" في المناطق المسيحية قرب الموصل، في دلالة واضحة على مراعاة الحساسيات الأميركية تجاه الأقليات المتواجدة قرب تلك المدينة.
كما أثار مرسوم عبد المهدي، جملة من التساؤلات بشأن الجديد فيها، خصوصاً أن هذه القرارات، وردت في قانون "الحشد الشعبي" بمواده الأولى والثانية والرابعة والسادسة، في رئاسة  العبادي، ما يعني حرفياً أن رئيس الوزراء لم يأت بجديد كما أنه لا يمكن أن يحذف أو يضيف على قانون "الحشد" من دون تشريع برلماني جديد.
غير أن المسؤولين العراقيين، يرون أن القرارات تعتبر تفعيلاً لقانون الحشد الشعبي لا أكثر"، وأنه من المفترض عدم سماع الناس، لعبارات العصائب والنجباء والبدلاء والعباس والإمام علي وكفيل زينب والإمام الحجة وغيرها من التسميات، ولا الحاج أو الشيخ أو السيد، بل سيكون هناك اللواء الأول والفوج الثاني والنقيب فلان والرائد فلان. فيما ستتكثف جهود الحكومة العراقية على سحب السلاح الثقيل من فصائل الحشد ووقف التجنيد في صفوفها والحد من تحركاتها على المناطق الحدودية العراقية مع دول الجوار وإبعادها عن مراكز المدن، في خطوة تهدف إلى مزيد من مأسسة الحشد الشعبي، ولكن لن تنهي حقيقة أنها مليشيات مستقلة دينياً وتنظيمياً ولها زعامات ومقرات ومكاتب.
ورأى الخبير في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي، "وجود رغبة لدى جميع قادة فصائل الحشد للذهاب باتجاه إعادة هيكلته، دون الذهاب إلى تجميده أو حلّه، وأوضح أن "قادة الحشد أدركوا بعد فوزهم في انتخابات 2018 أن وسائلهم الخطابية القديمة لم تعد تلائم المواقف الدولية الجديدة، بعد أن أصبح عليهم ضرورة إثبات وجودهم المدني على أرض مكشوفة بعيداً عن العلاقات المخابراتية السرية.
 

الايام