سامي أبو سالم - النجاح الإخباري - غمرني فرح جارف عندما رأيت ملثمين على باب المدرسة، ليس لأنني سأشارك في المظاهرات المتوقعة، بل لأنني لن أكمل يومي المدرسي. كنت في الصف الرابع و لم أكن أعرف السبب وراء الأجواء المشحونة، ما أن وقفوا على باب المدرسة حتى اندلقنا من فوهات الغرف الدراسية مشينا في مسيرة وانضمت لنا مدارس إعدادية وثانوية، نسير في الشوارع الرملية والغبار يعلو رؤوسنا نضرب بأيدينا على الشنط المدرسية السوداء المطبوع عليها "قبة الصخرة"، ونهتف بالإنجليزية "بي أل أو، إسرائيل نو" وبالعربية "بالروح بالدم نفديك يا بسام".

وأنا أهتف قليلا ثم أسأل: مين بسام؟

سألت رفيقي في المسيرة: مين بسام؟

نظر إليّ، مسح الغبار الملتصق برموش عينيه وقال "فدائي" بدهم يقتلوه.

استشطت غضبا وعلى صوتي الذي لم يتخطّ شنطتي وأنا أهتف محاولا الوقوف على أطراف أصابعي كي يعلو صوتي أكثر، وألعن ذاك الذي داس على شبشبي البلاستيكي الأسود الذي تحول للون الرمادي بسبب الغبار، فلت الشبشب بين مئات السيقان، تركت المسيرة وصرت أزحف بحثا عنه تركلني أقدام المتظاهرين.

بسبب الشبشب لم أستطع الوصول لذاك "الإله" الملثم المحمول على الأكتاف يقود الهتافات والآلاف يرددون من بعده، وصلت المنزل وسألت مين بسام؟ علمت أنه بسام الشكعة، رئيس بلدية نابلس، فقد ساقيه في محاولة اغتيال نفذها الاحتلال.

آنذاك انضممت لأفراد العائلة للإنصات لـصوت الثورة الفلسطينية، صوت منظمة التحرير الفلسطينية، "صوت فلسطين من بغداد، وتعرفنا جيدا على الشكعة ورئيس بلدية الخليل، فهد القواسمي، ورئيس بلدية حلحول، محمد ملحم، اللذان أبعدا عام 1980 عن فلسطين.

كنت أقطن في مدينة خانيونس، اشتعلت المدينة وانتشرت المتاريس والاطارات المشتعلة، التي تبرع بها سائقو الكارات التي تجرها الحمير، وعم الاضراب الشامل. جنود وعربات الاحتلال تجوب المدينة. يربط جنود أبواب المحال المغلقة بجنازير، يسير الجيب فينخلع الباب ويبقى المحل مفتوحا للعامة عقابا للمالك على التزامه بالإضراب، لم يقترب أحد من المارة من المحال المفتوحة.

في نفس العام اعتقلت قوات الاحتلال خلية لحركة "فتح"، كانت تخطط لاستهداف رئيس بلدية تل أبيب "شلومو لاهط" (لواء احتياط)، وذلك ردا على استهداف رئيس بلدية نابلس. وكان "لاهط" وصل مهاجرا من ألمانيا لينضم لمنظمة "البلماخ" التي ارتكبت عدة مجازر بحق المدنيين الفلسطينيين أشهرها مجزرة "عين الزيتون" قرب صفد التي ذُبح فيها 56 فلسطينيا كما نشرت صحيفة معاريف على لسان أحد قادة المنظمة.

أخى الأكبر "سعدات"، كان يعمل، في مخرطة في تل أبيب، أعد عبوة لزرعها في سيارة رئيس بلدية تل أبيب، لكن عبوة أخرى كانت مُعدة لأحد الخَونة، انفجرت خطأً، في منزل أحد صدقائه فاعتقلته قوات الاحتلال وخضع لتحقيق قاس وهو ينزف من يديه، اعترف بمخطط استهداف رئيس بلدية تل أبيب.

اقتحم الجنود بيتنا ونحن نيام بحثا عن أخي، لم يكن موجودا، ضرب أبي كفا بكف، جهز نفسه للانطلاق لتل أبيب للبحث عنه وتهريبه خارج البلاد، لكن كان الاحتلال أسرع.

حاصرت قوات الاحتلال المنطقة التي يركن فيها "شلومو لاهط" سيارته قرب "ميدان الملوك"، توجه أخى لسيارة رئيس البلدية، استشعر أن هناك خطب ما، تراجع وغير طريقه للإفلات، بعد مطاردة صامتة لم تدم طويلا تم اعتقاله دون أن نعلم.