نابلس - النجاح الإخباري - خالد ( اسم مستعار ) شاب يملك مركبة يعمل عليها ومنها يجمع قوت عياله ويوفر لهم ما يحتاجونه من مأكل ومشرب ومسكن ولباس دون الحاجة لابيه او شقيقه ولا حتى لقريبه .. يعمل طول النهار ويسهر الليالي الطوال في تربيتهم وخاصة بناته اللواتي احبهن كثيرا واهتم بتربيتهن ...

في احدى الايام خرج في رحلة عمل مع صديقه الذي يتعاطى المخدرات ويتاجر بها دون ان يعلم خالد بذلك وكانت الرحلة طويله امتدت من جنوب البلاد الي شمالها واثناء سيرهم لاحظ خالد بان صديقه يتناول سيجارة غريبه لها تاثير غريب ويصبح في حالة لم يعهده بها سابقا وكلما تناول سيجارة اخرى منها ، ينتاب خالد شعور غريب يدفعه تارة للتجاهل واللا مبالاة وعدم الاكتراث لما يصيب صديقه كونه هو من اختار لنفسه ذلك ، وتارة اخرى تتملكه افكار الرغبة في التجربه وحب الفضول لديه، ولكنه خائف لنتائجها التي قد تبدو عليه كما تبدو على صديقه ....وبعد تفكير لم يدم طويلا يتغلب على خالد فضوله القاتل الذي سيودي به للهاوية ويطلب منه سيجارة ليجربها فينظر اليه صديقه المفترض ان يكون حريصا عليه بسعادة كبيرة لانه يعلم بان سيجارة الفضول هذه ستجر خالد للتعاطي المستمر ويزداد عدد زبائنه واحد اخر حتى وان كان اعز اصدقائه وبالتالي ترتفع الاموال التي يجمعها ، لم يتردد للحظة واحدة في اعطائه اياها ، لن ولم ينصحه بعدم الاقتراب من هذا السم القاتل متناسيا تضحيات خالد معه وجمائله عليه . وعند سؤاله ما هذه فقال له انها سيجارة الانبساط والانتعاش لا تترد ...انها سيجارة الفضول الاولى ولكنها ستكون القاتله ..

يسحب منها خالد وعيناه تزغلل وتذهب يُمنة ويُسرى في حالة لم يشعر بها من قبل كادت ان تنهي الرحلة بحادث سير مميت الا انه استقوى قليلا واستجمع قواه الى ان عاد لمنزله وهو تعب وراسه يكاد ينفجر من الالم وتوجه لفراشه فورا ليغرق في نومه على غير عادته ولم يرى ابنائه وبناته اللواتي احبهن كثيرا ولم يستيقظ الا بعد خروجهم للمدرسة ، وكان اول ما فعله صباحا اتصاله بصديقه لاخباره عما جرى معه وسؤاله عن هذه السيجارة اللعينة وما هو الحل لهذا الصداع القاتل ...طبعا سؤال اسعده كثيرا لان الحل لديه . كيف لا وهو الصديق الوفي الذي يُقنعه بضرورة الحضور له فورا لاخذ سيجارة جديدة مماثله وسيجارة اخرى واخرى حتى اعتاد عليها وادمن على تناولها .. وتمر الايام وهو يتعاطاها دون علمه بان صديقه هو تاجر للمخدرات ، انه صديق السوء ، انه الصديق الذي لم يُرعي معناً للصداقة انه الصديق الذي سعى لجعله مدمنا بهدف واحد هو بيع مخدراته لجمع المال ... وبعد فترة من الزمن يبلغه بشكل مفاحيء ومقصود بان النوع الذي اعتاد عليه غير موجود ولن يستطيع توفيره في فترة قريبه ..واستمر الامر لعدة ايام وحالة خالد تسوء وجسده لا يتحمل الانقطاع عن هذا السم القاتل ..

عدة ايام وهو لا يستطيع التحرك من المنزل يرافقه صداع فظيع وحالة تقيوء شديدة وجسده يهزل ولا يقوى على فعل شيء ..ما الحل ؟ ماذا يفعل ؟ .. .لا خيار امامه الا الاتصال بصديق السوء ..ليجيبه ان الحل عنده بنوع ذو طعم جديد ونكهة جديدة يجعله اكثر حيوية ونشاطا ويغير حالته ، وبسبب حاجته لتهدئة جسده لم يفكر الا بالتوجه له ويتناول هذا النوع الاشد ضررا وبعدها نوعا اخر واخر الى ان وصل حد الادمان الخطير ولمرحلة تناول فيها الحقن وهي طريق اللاعودة وطريق الموت اذا لم تتوفر الارادة ...مما غير حاله وحياته ..يعمل ليل نهار لجمع ثمن وجبة المخدرات ولكلفتها الزائدة باع المركبة التي تدر عليه المال وباع اثاث منزله وكل ما يملك وسرق مصاغ زوجته وكل ما طالته يده وبدا يتسول من اشقائه واصدقائه ومعارفه لكن كم مرة سيعطونه . انه يستمر بتعاطي المخدرات ويهزل جسده وانفضح امره ...ابنائه اصبحوا متسولين على ابواب الاقارب والمساجد وفي الازقة والشوارع لسد حاجاتهم البسيطة يفطرون على كسرة خبز يابسه ونادرا ما يجدون لبننا او زيتا او شايا يغمسونها فيه ليستطيعون تناوله دون قساوة ..زوجته حاولت الصمود لفترة طويله متاملة منه التراجع لكنها لم تستطع وتخلت عنه بعد الضرب والاهانه منه ولقساوة الكلمات التي تلقتها من الجيران والاهل والاقاراب لتعود الى اهلها تاركة بيتها الذي احبته وذكرياتها الجميلة فيه وتغمرها حرقة فراقها لابنائها ..اما بناته اللواتي لِتوّهن كُن من افضل بنات حيهن واصبحن يتسولن لقمة العيش ... فيحصلن عليها تارة واخرى يُطردن من امام المنازل علاوة على نظرات صديقاتهن في المدرسة اللواتي ابتعدن عنهن لانهن بنات مدمن على المخدرات ...وخالد لم تنجح كل محاولات الاهل والاصدقاء والاقارب في منعه من تعاطي هذه السموم . و لم تدفعه دموع اطفاله التي ذرفتها عيونهم للتراجع ، بل وكان همه وسط كل هذا و ذاك فقط هو الحصول على المخدرات والحقن التي بانت في انحاء جسده الهزيل .

طفلة تبكي هنا واخرى تتسول هناك وثالثه تتوسل اليه وابن يهرب من المدرسة ليبيع الحلوى على اشارة المرور والمفارق ليجمع ما يستطيع لسد حاجة من حاجات اخواته . وابن اخر يذهب للعمل في المحال والمصانع والورش ولكن سرعان ما تطرده لعنة المخدرات كيف لا وهو ابن لمدمن عليها يعرفه كل من في الحي والحارة والبلد ...اطفال كلما عادوا للمنزل ويشاهدون حال والدهم يبداون بالبكاء من الليل حتى الصباح .

وكل هذا لم يقنعه ولم يدفعه للتراجع بل ويستمر في حقن نفسه مرة في ذراعيه واخرى في قدميه ومرة في رقبته وصدره حتى لم يسلم اي مكان في جسده ولا شريان الا وحقنه بهذه الحقن القاتله دون ادنى تفكير بالتراجع.

و في احدى اليالي وبينما خالد يقوم بتحضير حقنتة للبحث عن جزء لم تصله الحقن له وهي الحقنة القاتلة وهو يعرف انه بعد تناولها سيموت حتما لانها ستكون في الشريان الاخير بالمنطقة الحساسه في جسده وبينما هو كذلك واذا به يسمع صراخ احدى بناته التي لم تجد شيئا تاكله وتُخبر شقيقتها التي تصغرها سنا بانها توجهت لتتسول من هنا وهناك وقوبلت بالرفض من الجميع وطُردت من امام منازل الاقارب والجيران...بُكاؤها وكلماتها وصرختها كانت لها وقع خاص على مسامع خالد جعلته يتوقف للحظات عادت به ليتذكر زوجته التي تركته لظلم اوقعه عليها واخوته الذين تخلوا عنه بسبب رفضه العلاج مرارا وتكرارا واصدقائه الذين لم يسالو عنه منذ ادمانه ومراكز التوقيف التي سُجن بها مرارا وتكرارا ومركبته التي خسرها لشراء المخدرات واثاث منزله ومصاغ زوجته الذي سرقه وعيشته التي حولها لجحيم ...

لحظات تذكر فيها بناته وابنائه والماسي والصعاب والظلم الذي تحملوه بسببه ، وسماعهم للكلمات القاسية في المدرسة والشارع والحي ليس لانهم سيئين وانما بسبب والد لم يراعي ظروفهم ولم يحافظ على طفولتهم والطيبة التي تغمر قلوبهم...لحظات ذكرته في ايام كان لا يتوانا في احضار ما يطلبونه منه لتوفير رغيد العيش لهم وتذكر كيف كان اصدقائهم يتمنون ان يكونوا مثلهم وتذكر فيها عمله ومركبته التي خسرها ومنزله واسرته التي دمرت بسبب تعاطيه وادمانه على هذه السموم ....خالد في لحظات تزاحمت بها الافكار بين الماضي وعيشته الحالية وبين حاجة جسده لهذه السموم وبيده حقنته الاخيرة المميته وبين الموت الذي سيغشاه و يفصله عنه حقنة من الهيروين وملح الليمون الحارق ... ولكن نظراته تتجه تارة لابنته التي تصرخ وتبكي وتارة لحقنته التي يعتقد انها ستريحه ،، وبينما هو كذلك يَتملكه الخوف من الاستمرار في جلب المزيد من الماسي والغم والهم والمعيار لابنائه فيقرر بانه لن يتناول هذه الحقنة ويتلفها ويغادر المنزل ولكن الي اين ...

اسئلة كثيرة تراوده وافكار تتملكه ويتذكر تلك اللحظة التي جعله فضوله فيها يتناول هذه السيجارة اللعينة والتي اوصلته للهاوية لحالته هذه ، وتذكر صديق السوء الذي اوصله للادمان فهل يتوجه لصديقه ويقتله وينتحر هو الاخر ام يتوجه لاقرب مكان ويسرق المال له ولابنائه ، ولكنه تذكر كلمة لطالما سمعها من الشرطة والاهل والاصدقاء الصادقين بان افضل طريقة هي التراجع والعلاج للخلاص مما هو فيه ، فيتوجه لمركز العلاج الذي لطالما اُحضر اليه مجبرا ولكنه رفض مرارا وتكرار ولكن هذه المرة ليس كسابقاتها فهو حضر اليه بارادته ومستعدا لتحمل الالم المغموس بالامل بتعافيه منها ،وبمساعدة الاطباء وخلال شهرين يتعافى ويعود لحياته مع زوجته وابنائه الذين قبلوه بكل سرور وعاد النور في زوايا منزلهم وعادت البهجة اليهم ولم يأبه لاي راي اخر ما دامت عائلته تُصدقه وتعاونه على امل معاونته على قبول المجتمع له لانه رفع عنهم وصمة كتنت ستلاحقهم للابد لو استمر في تعاطيه ووفاته الا وهي وصمة انهم ابناء المدمن الذي مات بجرعة زائدة . فيكفينا تصديقا لاصدقاء السوء ويجب ان نتبعد ونحد من فضولنا ...ولنساعد مرضانا للتعافي من الادمن على هذه السموم .