خلف خلف - النجاح الإخباري - لدى الشعب الفلسطيني تجربة مريرة مع حكم فصائله، فهل تمتلك الحكومة الجديدة القدرة على قلب الصورة؟

قبل الخوض في غمار الإجابة، نؤكِّد على أنَّه مع عزوف الكثير من الفصائل الوازنة عن المشاركة في الحكومة المنتظرة، ستكون اختبارًا مصيريًّا لنجاعة حركة (فتح)، وقدرتها على إدارة دفة الحكم على النحو المطلوب. 

تدرك اللجنة المركزية لحركة (فتح) التي اختارت أحد أعضائها لقيادة الحكومة المقبلة، أنَّ هذا الأمر سيف ذو حدين، فمن جانب تظهر للعيان كحركة متصالحة مع نفسها، وقادرة على قيادة المرحلة بصعوباتها ومعضلاتها المرهقة، وينفي عنها ما يشاع من صراع الأقطاب ومراكز القوى، لكنَّه في الوقت ذاته، لن يتاح لها مستقبلاً تبرير أيَّ فشل أو تقصير، فالحكومة حكومتها، وعليها إنجاحها مهما كلَّفها الأمر، وإلا ستكون النتائج كارثية.

تعرف (فتح) مليًّا أنَّ المشكلة لم تكن تكمن يومًا في شكل الحكومة أو من يشكِّلها، فهي حكومات خدماتية وإدارية، مع بقاء الملف السياسي في يد الرئيس، وأيّ تحولات حقيقية ستكون بناءً على ما تقرِّره القيادة الفلسطينية.

وبالنظر إلى كتاب تكليف الحكومة المنتظرة، فإنَّ أولى أولوياتها، تتلخّص في البندين الأول، والثاني، وهما: "السعي الحثيث وبكل الوسائل والإمكانات المتاحة لدعم جهود استعادة الوحدة الوطنية وإعادة غزَّة إلى حضن الشرعية الوطنية"، "واتِّخاذ الإجراءات اللازمة كافة وبالسرعة الممكنة، لإجراء الانتخابات التشريعية، في محافظات الوطن الجنوبية والشمالية، بما فيها القدس الشرقية وفقاً لأحكام القانون الأساسي".

بناء على الوقائع والمعطيات المتاحة للتحليل السياسي، فإنَّ هذا الأمر صعبٌ، إن لم نقل مستحيلاً.

فحكومة الوفاق الوطني التي كان يقودها الدكتور رامي الحمد الله، جاءت بموافقة معظم الفصائل، إن لم تكن كلّها بما في ذلك حماس، بينما قوبلت الحكومة الحالية بانتقادات داخلية كثيرة قبل تشكيلها، وفي ظلِّ فقدان عناصر الضغط على (حماس)، التي تتلقى المال القطري، وتبجح رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتانياهو مؤخرًا بقوله، إنَّ إدخال مثل هذا المال ضروري لضمان استمرار الانقسام الفلسطيني.

وهكذا فلن يكون من العدل التعويل كثيرًا على هذه الحكومة في إعادة الّلحمة الوطنية وتهيئة البيئة السياسية للانتخابات، خاصة في ظلِّ احتمالية رفض حماس لإجراء الانتخابات في قطاع غزَّة، ورفض الاحتلال إجراء الانتخابات في القدس، فهذا يعني إسقاط أوَّل بنديين من كتاب التكليف المناط بحكومة د.محمد أشتية.

إلا إذا أصرَّت هذه الحكومة على استعادة قطاع غزَّة عبر تصعيد إجراءات الضغط على حماس، وربما أيضًا على المواطنين في القطاع، وهو الأمر الذي ستواجهه حماس بالمزيد من الأفعال والإجراءات على الأرض، مما يدخل الفلسطينيين في  دوامة جديدة هم في غنى عنها.

أما باقي البنود في كتاب التكليف، فتؤكِّد على الدعم المادي والمعنوي لضحايا الاحتلال وأسرهم، من شهداء وأسرى وجرحى، والعمل على تعزيز صمود الشعب الفلسطيني ومواصلة الدفاع عن القدس، ومواصلة العمل لإنجاز بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية والنهوض بالاقتصاد الوطني وحماية الحريات العامة، وتعزيز الشراكة ما بين القطاع العام والخاص والأهلي.

وتعدُّ هذه المهمات تقليدية في تاريخ النضال الفلسطيني وبناء الدولة العتيدة، والتفريط بأي منها سيكون نهاية للمشروع الوطني.

وانطلاقًا من تجارب سابقة، فقد تتمكَّن الحكومة الجديدة من تجاوز أزمة "نصف الراتب"، وهو ما سيحسب لها شعبيًّا، شئنا أم أبينا، هذا هو الشقُّ الهام والمرئي للمواطن الذي يعاني الويلات، ويحمل روحه على كفه متنقلاً على حواجز الموت. فقرصنة أموال المقاصة للفلسطيني، هو قرار سياسي، قد يتغير مع تغير الحكومة في إسرائيل التي تقف على عتبات الانتخابات العامة.

غير ذلك، لن تجلب الحكومة المقبلة حلولاً سحرية معها، فهي تأتي في سياقات إقليمية ودولية تفوق قدرتها  وقدرة السلطة برمتها، لذلك فهي تقلع وحمولتها زائدة.