ابراهيم دعيبس - النجاح الإخباري - يعيش في ما نسميه العالم العربي نحو ٤٠٠ مليون بني آدم يشكل الشباب نسبة كبيرة منهم، ويتميز هذا العالم بالتأخر الإجتماعي والسياسي والفوضى الأخلاقية وانتشار الفردية والقبلية بين أبنائه، ولهذا نرى أننا نتمزق وننقسم ونقتتل ونرجع الى الوراء بينما معظم العالم يسير الى الأمام.والمزعج الأكثر أن عالمنا العربي هذا يمتاز بموقع إستراتيجي دولي لا مثيل له، وبثروات نفطية وزراعية وطبيعية كبيرة للغاية وهي تشكل أسباباً للتقدم والقيام بدور عالمي من الدرجة الاولى، لكننا نرى أنفسنا وقد صرنا ملعباً يمارس فيه أصحاب المصالح والنفوذ تدخلاتهم وأهدافهم في الاستغلال ونهب الثروات والاستهتار بكل مطالبنا ومصالحنا وأهدافنا.

وآخر هذه الحالات إحتفال الحكومة البريطانية وافتخارها بوعد بلفور ومشاركة نتنياهو بهذه الاحتفالات، رغم انتقادنا ورفضنا له كفلسطينيين وعرب ورغم ما يشكله الوعد من جريمة بحق أرضنا وشعبنا. وماذا فعلنا نحن لمواجهة هذا الوعد؟ لاشيء سوى تكرار واجترار الخطابات العنترية المفرغة من أية قيمة أو أي مضمون. وبالمناسبة فإن المرحوم الرائع ناجي العلي رسم كاريكاتيراً قبل إغتياله منذ أكثر من ثلاثين عاماً استنكر فيه تكرار الكلام ضد الوعد وقال بالحرف: «حاجة تحكي لنا عن وعد بلفور...إحكي لنا عن التخاذل..وعن الدعارة السياسية عن اللي وعدونا بتحرير فلسطين ولحسوا كلامهم».

مناسبة هذا الكلام هو منتدى شباب العالم الذي يبدأ اليوم في شرم الشيخ ويشارك فيه ممثلو ٥٢ دولة ومئات الشباب المتفوقين بالجامعات، ويستهدف بحث: قضايا شبابية عالمية والتكنولوجيا وريادة الأعمال ومحور الحضارات والثقافات المختلفة والأهم محور «صناعة قادة المستقبل» بالاضافة طبعاً لمناقشة قضايا الشباب عامة وبالعالم العربي خاصة.

يعرف الجميع انتشار البطالة بين الشباب وخاصة الذين يحملون شهادات جامعية. والبطالة تؤدي الى الاحباط والاحباط يؤدي الى كل مظاهر الفساد كإنتشار المخدرات والعنف اللفظي والجسدي وغياب المسؤولية الاجتماعية والحس الوطني عموماً.

نتيجة الوضع السياسي العام الممزق خاصة غياب المشاركة الحقيقية للمواطن العربي في صنع القرار، والتدخلات الأجنبية، والبطالة الواسعة بين الشباب وغياب الشعور القومي، انتشرت التيارات التي تحمل شعارات دينية، كما نرى في كثير من التنظيمات التي تملأ بلادنا والعالم بالإرهاب والقتل والعنف، وازدادت الحملات الإعلامية للتعبئة والتحريض في هذا المجال وبتنا نرى عشرات الفضائيات وعشرات الخطباء الذين يملأون الأجواء حقدا وكراهية ودعوات إلى العنف. والقيادات العربية حين تمسك بالسلطة لا تتركها إلا بالموت أو الإنقلاب، وتغيب الديموقراطية إلا بالكلام، ويغيب أي دور للشباب والناس في صنع القرار أو الإعداد للمستقبل، وبذلك تزداد الأوضاع سوءاً ونظل تدور في الحلقة المفرغة التي نعاني منها.

ولكي نتغير لا بد من ثلاثة شروط: الديموقراطية الحقيقية أولاً وفصل الدين عن الدولة لإغلاق الطرق جميعها أمام هؤلاء الذين يتاجرون بالدين ويملأون الفضاء تحريضا وكراهية، ثانيا، التنمية الإقتصادية ثالثاً وأخيراً. ولدينا أمثلة كثيرة من الدول التي حققت إنجازات كبيرة بهذه الوسائل بينها ألمانيا واليابان كأبلغ مثالين وقد انتفضتا من بين أنقاض الحرب العالمية الثانية ووصلت كل منهما إلى قمة التقدم والحضارة، وكذلك لدينا ماليزيا كدولة مسلمة تطورت وتقدمت حين التزمت بهذه المبادىء، وانتقلت من الفقر والبطالة إلى التقدم بالصادرات والعلوم والحريات الدينية.

لا بد من الإشارة الى أن مشاركة السعودية بهذا المؤتمر مؤشر إيجابي خاصة ونحن نرى ولي العهد الشاب، الأمير محمد بن سلمان، قد بدأ حملة للتطوير الفكري والاجتماعي في بلاده تتعلق بالقوانين والمرأة التي سمح لها لأول مرة بقيادة السيارات وحضور المباريات، كما شن حملة ضد التطرف الديني واعتقل عددا من دعاته وشيوخه ودعا الى الاسلام الوسطي، وهذه بالنسبة للسعودية خطوات بالغة الأهمية.

السؤال الكبير هل يتمكن منتدى شباب العالم الضخم هذا في شرم الشيخ من إتخاذ قرارات إيجابية يبدأ تأثيرها على الأقل في مصر التي تستضيف المؤتمر وتزداد نسبة الشباب بين سكانها الذين تجاوزوا المائة مليون، أم أنه سيكون مجرد إجتماع لتبادل الخطابات الإيجابية والبيانات اللفظية بدون أي تأثير ميداني؟

وأخيراً، فإن الحديث عن الشباب في عالمنا العربي غير معزول عن شبابنا في فلسطين، الذين أثبتوا أنهم اذا توفرت لهم الإمكانيات الحقيقية وفتحت أمامهم الآفاق فإنهم قادرون على تحقيق إنجازات رائعة رغم الاحتلال وممارساته ورغم الصورة القاتمة في عالمنا العربي.

ولهذا فإن شبابنا لهم دور أيضاً وقد يكون فاعلاً ونموذجاً في هذا المنتدى