د.أحمد جميل عزم - النجاح الإخباري - لم تؤدِ المصالحة بين حركة "حماس" وخصمها اللدود، سابقا محمد دحلان، ومجموعته، إلى تحسين وضع قطاع غزة، أو تحسين وضع حركة "حماس"، وبات دحلان نفسه في اختبار بشأن حقيقة قوته. وساء وضع الجميع، خصوصاً الشعب الفلسطيني في غزة، لا سيّما بعد قرارات الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، بالخفض التدريجي لمخصصات القطاع في الميزانية الفلسطينية.

عندما وَقَع الانقسام العسكري، عام 2007، وسيطرت حركة "حماس" بالقوة على قطاع غزة، تطورت الأمور على نحو غير معهود. لم توقف الحكومة الجديدة، في رام الله، والرئاسة الفلسطينية، دفع ميزانيات (جزئيا على الأقل) لخدمات أساسية في مجالات مثل الكهرباء، والصحة، والتعليم، وسوى ذلك. في المقابل لم تمتنع "حماس" عن استقبال هذه الإمكانيات، وكان منطقها (ولا يزال)، أنّ هذه أموال الشعب الفلسطيني، وأنّها فازت بالانتخابات التشريعية، وصاحبة الحق بتشكيل حكومة فلسطين، وبالتالي بإدارة الأموال والإنفاق. في المقابل، يقول مسؤولو الحكومة التي تشكلت في رام الله، آنذاك، "لم يكن هناك دليل عمل" يوضّح ماذا نفعل في حالة انقلاب على جزء من الأراضي، وكان هناك تصور أن استمرار التمويل مهم لأسباب إنسانية، وحتى تبقى الرئاسة تقوم بوظائفها، وتحفظ شرعيتها.

بموازاة تعمق الأزمة الحياتية في قطاع غزة بسبب الحصار، ومقاطعة العالم لسلطة "حماس"، بدأت الأخيرة بالتفكير بحلول، ولكن مع خطين أحمرين؛ الأول، حماية مصالح أفرادها أو "جماعتها" من مدنيين وعسكريين، ومن هنا أصبح موضوع استيعاب ودفع رواتب الموظفين الذين عينتهم، هو الأولوية، والثاني، استمرار سيطرة قواتها وقادتهم على مقاليد الأمور. لذلك عندما جرى توقيع اتفاق حكومة الوفاق، عام 2014 كانت المعادلة (ترك حماس الحكومة دون ترك الحكم)، باستمرار السيطرة الأمنية في غزة، ومنع وزراء الحكومة، من الضفة، من العمل في قطاع غزة. وخير مثال، عندما منع الوزراء في نيسان (إبريل) 2015، الذين وصلوا غزة، من الخروج من الفندق لمباني وزاراتهم، واشتراط حل موضوع الموظفين بالاعتراف بهم وبموقعهم دون نقاش أو بحث، قبل النظر في أي أمر آخر، بما فيه عمل الحكومة. في المقابل لدى القيادة الفلسطينية، تردد في قبول نظام سياسي فلسطيني جديد، كامل، من أهم مظاهره الشراكة في منظمة التحرير الفلسطينية، والقيادة الجماعية، أو الجبهوية.

عولت "حماس" على الاعتقاد أن دحلان يمتلك مفاتيح موافقات دول إقليمية، وسيوفر أموالا ويسهّل فتح معبر رفح عبر مصر، وسيعزز هذا قدرة الحركة على إدارة شؤون القطاع، بيد لجنتها الإدارية المعينة، بمعزل عن حكومة الوفاق. في مقابل ذلك  ستقدم "حماس" لدحلان، أمرين؛ السماح له بالعمل لتعظيم قاعدته داخل حركة "فتح" في غزة، وهذا سيعزز انقسام وخلافات "فتح" الداخلية، وهو بحد ذاته مكسب. وستقدم له أيضاً، ما تقدمه بدونه، من المزيد من البراغماتية السياسية في الموقف من العملية السياسية، سعيا وراء قبول دولي أكبر، وهو ما قدمته في وثيقتها المعلنة في الدوحة في شهر آيار (مايو) الفائت، وهو ما سيسمح بدوره لدحلان بمواصلة تقديم نفسه للدول الداعمة له، بصفته العرّاب القادر على التأثير في مسار الأمور في المنطقة، ومن ذلك "تطويع" حماس.

استفز الترتيب الجديد الرئاسة الفلسطينية، بدءا من اللجنة الإدارية ثم اتفاق دحلان. وتحركت الرئاسة في اتجاهين، الأول، الحديث مباشرة للرئيس المصري، مع رهان أنّ الحكومات العربية مهما دعمت أشخاصا أو فصائل، سيبقى للسلطة الرسمية المعترف بها دوليا، قيادة منظمة التحرير، مكانتها عند هذه الأنظمة. ثم قررت الرئاسة الفلسطينية، تبني قاعدة جديدة  للتعامل مع "حماس": إذا أردتم الحكم هناك فتولوا كل شيء، وخصوصاً تكاليف الحكم، بدءا من الصحة والتعليم والمجاري والكهرباء.

يضاعف هذا الوضع معاناة أهالي قطاع غزة، ولكنه يخلط الأوراق. يوجه رسالة لحماس أن الرهانات على وضع إقليمي يسمح باستقرار سلطتها في غزة واهمة، وأن دعم حلفائها الإقليميين محدود. ومن جهة ثانية، يختبر ما يحدث مقدار ما يمكن لدحلان من توفيره من دعم مادي وسياسي في مواجهة الرئاسة.

هناك أزمة متفاقمة، أسوأ ما فيها المعاناة الشعبية في غزة، ولكن هذه الأزمة قد تكون أكبر تغيير في الوضع المستمر في غزة منذ سنوات طويلة.

عن الغد الأردنية