راسم عبيدات - النجاح الإخباري - لا شك بأن زيارة الملك عبد الله الثاني الى رام الله دون التنسيق مع او الإلتفات الى نتنياهو في ظل التحديات الخطيرة التي تواجهها القيادة الفلسطينية والتي هي نتاج للسياسات العدوانية الإسرائيلية والتي تلقى التشجيع والتأييد والقبول والموافقة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، تحمل اكثر من رسالة ودلالة سواء لجهة الوضع الداخلي الأردني او الأوضاع الخارجية، فداخلياً بعد أزمة الأقصى وحادثة قتل حارس أمن السفارة الإسرائيلية لمواطنين أردنيين وحالة الضعف والإرباك التي بدت عليها الحكومة الأردنية وما تبع ذلك من حالة غليان شعبي كبير في الأردن، تدفع بالملك عبد الله الثاني لزيارة رام الله وتنسيق الموقف معها لتخفيف حالة الإحتقان في الشارعين الأردني والفلسطيني، ولجهة إصلاح العلاقة بين الطرفين على خلفية الخلاف الذي نشب في إدارة أزمة الأقصى.

فالأردن أدار الأزمة مع اسرائيل عبر اتصالات مباشرة معها وعبر العديد من الدول كالولايات المتحدة وعدد من الدول العربية، دون التنسيق مع السلطة الفلسطينية، مما احدث تبايناً وخلافاً في كيفية حل الأزمة، ومن هنا تأتي الزيارة لرفع درجة التنسيق بين الطرفين فيما يتعلق بقضية القدس عامة والأقصى خاصة، ولتؤكد على عمق العلاقة وتاريخيتها بين الطرفين، في ظل شعور متنامي بتبدل او فتور تلك العلاقة بين الطرفين على خلفية ازمة الأقصى.

وهناك دلالات اخرى للزيارة، أهمها شعور السلطة الفلسطينية بحالة كبيرة من الإحباط من الإدارة الأمريكية التي وضعت كل بيضها في سلتها وراهنت عليها لإيجاد حل يلامس الحدود الدنيا من حقوق شعبنا الفلسطيني، دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، ولتأتي تصريحات صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنير الى جانب جيسون غرينبلات المكلفين بملف المفاوضات وما يسمى بعملية السلام بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، بأن ايجاد فرص حل للقضية الفلسطينية ضئيلة وقد تكون معدومة، لتعمق من ازمة السلطة المأزومة أصلاً، وخصوصاً أن نتنياهو يستغل الإنحياز الأمريكي المطلق لجانب دولته، لكي يقبر حل الدولتين ويعمل على الحاق ما يزيد من أراض الضفة الغربية عن حاجة الأمن الإسرائيلي ضمن كونفدرالية أردنية - فلسطينية.

ولذلك تسعى السلطة في ظل العلاقة الإيجابية التي يتمتع بها الأردن مع امريكا الى البحث عن افاق لتحريك العملية السلمية التي تشهد انسداداً في افقها، هذا الإنسداد قد يدفع بالأوضاع نحو الإنفجار، وخاصة بأن المؤمنين بمشروع السلطة السياسي وخيارها التفاوضي يتراجعون بشكل كبير في الساحة الفلسطينية، وهذا يفتح المجال لممارسة ضغوط شعبية وفصائلية على السلطة إما ان تتخلى عن خياراتها ومشروعها التفاوضي، أو أنه ستواجه خطر الإنعزال وفقدان الثقة بها وتآكل شعبيتها، وقد تقود الأوضاع الى بروز قوى بديلة تملأ الفراغ الناتج عن ضعفها.

اسرائيل تواصل سياساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، وضد الشعوب العربية دون الإلتفات الى مواقف قيادات شعوبها فهي ترى بأن الوضع الداخلي الفلسطيني الضعيف والمنقسم على ذاته، وحالة الإنهيار العربي غير المسبوقة تمكنها من فرض شروطها وإملاءاتها، وظهر مستوى التحقير الإسرائيلي للحكومة الأردنية في قضية قتل حارس السفارة الإسرائيلية في عمان للمواطنين الأردنيين، حيث جرى تهريبه أو نقله الى تل ابيب، وليستقبله رئيس الوزراء الإسرائيلي استقبال الأبطال، ووصل الإستهتار بالأردن حكومة وقيادة وشعباً حد قول عضو الكنيست الليكودي اورين حزان للأردن بأن اسرائيل تحمي الأردن ليل نهار «وعليكم التأدب قليلاً»، هذه المواقف وضعف الرد الأردني عليها، ولدت غضباً واحتقاناً كبيرين في الشارع الأردني، صب المزيد عليه من الزيت على نار الإحتقان والغليان الشعبي بالمحاولات الإسرائيلية للسيطرة على الأقصى وإنهاء الوصاية الأردنية عليه.

زيارة لها دلالة تصالحية في قضية الأقصى، وأخرى تنسيقية في المجالين السياسي والقدس والأقصى أيضاً، وكيفية التصدي للمشروع الإسرائيلي المتعلق بفرض مشروع الكونفدرالية وتجاوز حل الدولتين، وإستكشاف آفاق تحريك العملية السلمية، والتي من شأن جمودها رفع درجة الغليان الشعبي وربما تفجرها في الساحتين الأردنية والفلسطينية، في ظل إجراءات تهويدية وإستيطانية اسرائيلية مستمرة ومتصاعدة، وربما يكون للزيارة رسالة تحذيرية للسلطة الفلسطينية بعدم الذهاب بعيداً في المجابهة مع الإدارة الأمريكية، حيث أن أوضاع السلطة الداخلية غير مهيأة لذلك فالتحديات الداخلية التي تواجها كبيرة، تعمق وشرعنة الإنقسام وكذلك ما ظهر من تحالف وخطوات تنسيقية ما بين حماس وجماعة محمد دحلان في قطاع غزة، فالوقف المؤقت للتنسيق الأمني مع دولة الاحتلال الذي اتخذته السلطة على ضوء أزمة الأقصى، قابلته الإدارة الأمريكية من خلال لجنة الشؤون الخارجية للكونغرس بتجميد أموال المساعدات المخصصة للسلطة الفلسطينية -300 مليون دولار- والتهديد بتقليص الميزانيات التي تقدمها لوكالة الغوث واللاجئين " الأونروا" وإجراءات عقابية أخرى، إذا ما استمرت السلطة بالتوجه الى المؤسسات الدولية لمعاقبة إسرائيل على جرائمها.

هذه الزيارة يحتاجها الطرفان الفلسطيني والأردني معاً، فالتطورات والمتغيرات في المنطقة متسارعة، والهجوم الإسرائيلي في ذروته، والقيادة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة متعجرفة، ستستمر في عدوانها على الشعب الفلسطيني وبالذات على القدس والأقصى، حيث تصاعد وتكثف عمليات الإستيطان والهدم والإستيلاء على المنازل، وتشريع وسن المزيد من القوانين العنصرية التي تهود القدس، قانون "توحيد" القدس ومنع التنازل عنها وتقسيمها، وقانون توسيع مساحتها وإغراقها بالمستوطنين، وكذلك التعديات ومحاولات السيطرة على الأقصى وفرض التقسيم المكاني فيه لن تتوقف، وأيضاً هي محاولات نزع الوصاية الأردنية عليه.

التطورات والمتغيرات في المنطقة، تحتاج الى ما هو أبعد من لقاء وتنسيق أردني- فلسطيني، تحتاج الى موقف عربي – إسلامي جمعي موحد، بوصلته القدس والأقصى بعيداً عن الصراعات والخلافات المذهبية والطائفية، فضياع القدس والأقصى لا يعني ضياع فلسطين، بل ضياع أمة بأكملها.