غيداء نجار - النجاح الإخباري - منذ مئة عام وتلك الرائحة الشهية تفوح في زقاق البلدة القديمة في نابلس، وتجذب المارة من بعيد لتداعب رغبة المتجولين في الغذاء، شواء اللحوم والبصل والبندورة تتداخل ونسمات الهواء في سوق الحدادين بشارع الحنبلي، وتحديداً في قبو صغير من بناء قديم له قبة، انه مطعم ابو عصفورة الذي لا تتجاوز مساحته 16 متراً.

"توارثت عائلتي المطعم جيلاً بعد جيل إلى أن استلمته أنا، ويرجع تاريخ المطعم إلى مئة عام تقريبا، بعد أن درست المحاسبة في كلية الروضة في نابلس فضلت العمل في المطعم للحفاظ على تراث أجدادي، فأنا رجل محب للتراث" هذا ما بدأ به صاحب المطعم فؤاد العاصي (46عاماً) من مدينة نابلس.

يتابع العاصي "قديما كان يبلغ المطعم نصف مساحته حاليا فقد كان بجانبه نبع ماء يطلق عليه نبع قسيس ويضم محراباً للكتاب والقراء، كما أن الديكور في المطعم كلاسيكي قديم والحائط عبارة عن الحجارة الكبيرة، ولكنني قمت بتغيير الديكور قبل 40 سنة، والآن افكر بإعادته ليصبح تراثياً 100% كما كان في السابق ".

سبب التسمية

كثير من الناس والزائرين للمطعم يتساءلون عن سبب تسميته بمطعم "أبو عصفوره" وفي حال بحثنا عنه نجد أنه ومنذ تأسيسه اشتهر بشواء لحم يقطع على شكل"رأس العصفور"، حيث كان زوار المطعم يطلبونها بكثرة.

حاضراً في ذاكرة رواده

 يجلسون داخل المطعم وعلى إحدى طاولاته مجموعة من الرجال منهم شاب بعمر الثلاثين، اختاروا الإفطار في مطعم أبو عصفورة بعيداً عن المطاعم الحديثة، فيقول عزمي أبو شمط (58عاماً) "أبو عصفورة يتمتع بالبساطة و(صيته) سمعته طيبة، كما انه يقع وسط البلدة، وما يجذبني بشدة جلساته الشعبية، وأنا آتي إلى المطعم من سنين فقديماً كانت الكراسي من القش، والطاولات من الخشب التقليدي، وفؤاد ابن البلد ونحن متآلفين كثيرا".

وعلى إحدى الطاولات يجلس رجل في السبعينيات من عمره يلبس قبعة رمادية، والشيب يظهر من جانبي رأسه، ويأكل بسرعة وعلامات الاستعجال واضحة على وجهه، إنه عمر ابو هنية من بلدة حوارة يقول "ابنٌ عن اب وابٌ عن جد، من ليس له تراث ليس له أساس" بهذه العبارة بدأ حديثه وهو يسحب اللحم من السيخ بقطعة من الخبز.

ويضيف "أنا أحب التراث وهذا المطعم تراثي بحت، والمطاعم والمقاهي والبيوت القديمة تستحق أن نفتخر بها فهي تراث شعبنا، آتي احياناً أنا وعائلتي بأكملها وأحياناً أخرى آتي مع أصحابي في العمل".

أما جهاد حارب (53عاماً) فيقول "عادة ما آتي لوحدي ولكن عند جلوسي بالمطعم تنتهي وحدتي فجوّه يكون جو أسري اتحدث مع الموجودين هناك ونتجاذب أطراف الحديث بشتى المواضيع مثل الأسرة وذلك يوحي بالترابط الاجتماعي".

يتابع حارب "عند انتهائنا من الأكل ومغادرتنا لذلك المطعم التراثي تبقى قلوبنا معلقة بأجواء الحديث والضحكات التي تسود جدرانه المقوسة، وتبقى عقولنا متمسكة بتراثنا العريق الأصيل".

قديما كان يفتح المطعم منذ الساعة السادسة صباحاً اما الآن فيتم فتحه الساعة التاسعة وذلك حسب طلبات العمل.

التراث والجلسات القديمة تحرك في الذاكرة جميع أشكال التراث بما فيه الطعام والحديث والتجمع وغيرها، وهناك الكثير من المطاعم التراثية في فلسطين تتفاوت في قِدمها.

وتحدثنا نوال سليمان (66عاماً) من طولكرم "عندما بلغت عمر السادسة عشر عاماً، (أي قبل خمسين عاماً) ذهبت للمرة الأولى إلى المطعم مع والدي، وكان ابي يفضل ذلك المطعم عن غيره، لأنه يجد فيه مقومات احياء الذاكرة التراثية، فقد كان ينزل من بلدة حارس-سلفيت إلى نابلس خصيصاً لشراء المشاوي من مطعم ابو عصفورة، وبعد زواجي اعتدت الذهاب الى المطعم أنا وزوجي ولكن منذ ثلاثين سنة لم أذهب للمطعم لكوننا وجدنا مطعما تراثياً شبيهاً بأبو عصفورة في طولكرم يقوم بالشواء".

طريقة التقديم

وحول طريقة تقديم الطعام يقول العاصي "بعض الزبائن يفضلون احضار اللحم والبندورة والبصل معهم، وأقوم انا بعملية الشواء، ويقتصر الدفع على مجهود عملية الشواء فقط، بينما هناك آخرون يختارون تناول الطعام من المطعم نفسه مقابل 35 شيكلاً مقابل الوجبة".

ويختم العاصي حديثه معنا وهو منشغل بتجهيز إحدى الطلبات لزبونه"بإذن الله لن أخرج من هذا المطعم، وسأورثه وطريقة التقديم لابنائي ومنهم لأحفادي، فمعلوم بانه إذا خرجت السمكة من الماء فإنها ستموت وأنا كذلك".

عند مرورك من أمام المطعم تدرك ان رائحة شواء اللحم والبندورة والبصل ليست حبيسة في أرجاء وأزقة المطعم فقط بل تفوح رائحتها في أركان شارع الحنبلي، تداعب نسمات الهواء وتختلط مع أصوات الباعة طارحة أجواء لا تغيب مع مرور السنين.