فداء علي حلس - النجاح الإخباري -    في غزة وفي كل مكان تفرح الأسرة بضيف جديد ينضم الى العائلة وتسعد بمولود يشرفهم ليضيء حياتهم من جديد، محمود كان طفلا معافى ولا يعاني من أي مرض إلى أن أصابته حمى قوية بالصمم، لتنقلب حياة الأسرة التي فرحت بقدوم طفلها رأسآ على عقب، فسارعت إلى علاج ابنها، حتى يعود سليمآ معافيآ ولكن محاولتهم بائت بالفشل.

محمود أبو ناموس، 28 عاما، من سكان منطقة تل الهوا بغزة، يمتلك قدرة خارقة على التواصل بمجرد النظر في عينيه، لدرجة أنك لن تعتقد أنه لا يقدر على سماعك أو الحديث معك, لتبدآ قصة معاناة محمود وتحديه لنفسه قبل الجميع.

قال أبو ناموس بلغة الإشارة:"منذ صغري لم يسمح لي والدي الخروج من المنزل خوفا عليه من أي خطر يداهمني, وعندما بلغت سن الرابعة أدخلت إلى المدرسة الخاصة بجمعية أطفالنا للصم، وقد كانت منطويا جدآ ولا أحب الاختلاط بأحد، غير قادر على التعبير عن ما أريد. وتابع حديثه:" مع الوقت بدأت أعتاد على المدرسة، وأ صبحت أكون أصدقاء من الصم."

أشار أبو ناموس:" كنت دائمآ أفكر بطريقة تختلف عن أصدقائي، هم يحاولون أن يعزلوا أنفسهم داخل المجتمع الخاص فينا، لأنهم يشعرون بأنهم مرفضون، وأضاف :" المجتمع لا ينصفنا ولا يحب أن يدمجنا معه،  لكنني كنت دائم الفضول لأرى العالم الخارجي، حتى أحدثت تغييرآ في حياة جميع اقراني.

أكمل أبو ناموس حديثه :"بدأت أن أضع هدفا واحدا في رأسي، إن كان جميع الطلاب المتكلمين يستطيعون الالتحاق بالمدارس، والنجاح بتفوق، فأنا أيضا يمكنني ذلك. وأصبحت أنافس جميع زملائي في الحصول على الدرجات الأولى في الفصل، وكنت من الطلاب المميزين في مدرسة أطفالنا للصم."

 تابع حديثه:" حلمي بإنهاء الثانوية العامة؛ التوجيهي، والالتحاق بالجامعة، كان صعب المنال؛ إذ ليس هنالك أي مدرسة ثانوية للصم في غزة، مما دفعني إلى إثبات وجودي بطريقة أخرى، كنت أشعر أن والدي يحتاجونني معهم لأكون داعما لهم بدلا من أكون عبئا عليهم،لذلك قررت أن أعمل وأحقق كل ما أريده وأساعد نفسي دون عطف أحد، بدأت العمل في أحد محلات الدواجن كعامل يطلب منه صاحب العمل تنظيف المكان.

أضاف أبو ناموس:"كان الجميع ينظرون لي على أنني مختل عقليا، في الوقت الذي كنت أراقب فيه زملائي لأتقن عملهم، وأثبت لصاحب العمل أن بإمكاني أن أعتمد على نفسي، وأن أنجز العمل كما يجب أن يكون، فأنا فقط لا أسمع، لكن لدي عقلا يمكنه التفكير والتمييز بين الأشياء."

قال محمود:" بدأت أن أعتمد على نفسي في سن صغير، كنت أعمل براتب بسيط لكنني كان مكتفيا وقتها." وتابع:" أطمح لإكمال دراستي لأصبح رجلا مهما في مجتمعي، لأوصل رسالة إلى كل الناس: "إن كنتم تستطيعون فأنا أستطيع أيضا".

عبر محمود عن فرحته التي لا توصف عندما التحق بمدرسة محمد صادق الرافعي؛ أول مدرسة ثانوية  للصم، سنة 2010، وينهي الثانوية العامة بحصوله على ترتيب الأول على المدرسة في التوجيهي, لكن هذه الفرحة كانت غير كامله ففي نفس العام فقد منزله في العدوان الإسرائيلي على غزة.

 أكد أبو ناموس:" التحقت بأول برنامج لدبلوم الصم في الجامعة الإسلامية، وتعلمت مهمة والدي الدهان، وتعلمت الكثير من الأعمال ليندهش الجميع بي وبقدراتي ليتسألوا كيف لصم بأن يفعل كل هذا؟ الا أن التحدي كان عنواني لأصل الى النجاح الذي أريده، واريد الأن تعليم شريحة كبيرة من الصم تطوعآ حتى يثبتوا أنهم فعالين في المجتمع."