طلال عوكل - النجاح الإخباري - بينما كانت التصريحات أو التسريبات تتحدث عن إيجابية الحوارات في القاهرة بين حركتي فتح وحماس، ثمة من رفع البطاقة الحمراء، انه ليس وقت الاحتفال، رسالة التعهدات الغامضة التي أرسلها منسق الشؤون المدنية والأمنية الإسرائيلي الجنرال كميل أبو ركن، إلى الوزير حسين الشيخ جاءت في توقيت مدروس.

الرسالة أعادت الأوضاع بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل إلى ما كانت عليه قبل قرار الرئيس محمود عباس، بوقف العمل بكافة الاتفاقيات مع إسرائيل في أيار الماضي.

قبل قرار الرئيس عباس لم يكن ثمة أي مؤشرات على إمكانية تحقيق اختراق في ملف العلاقات الفلسطينية الداخلية على الرغم من التوافق الفلسطيني العام بشأن رفض والتصدي لـ»صفقة القرن».

هذا يعني أن اجتماع الأمناء العامين وما سبقه وتلاه من حوارات وإعلانات، في عديد العواصم لم يكن سوى رؤى تكتيكية لا علاقة لها بالقراءة الاستراتيجية ذات الأبعاد السياسية والداخلية الفلسطينية العامة.

تكتيكات الفصائل الفلسطينية إزاء ملف العلاقات الداخلية لم تتم بناء على تغييرات سياسية تجعل الكل الفلسطيني أمام برنامج واحد ومنهج واحد، وأشكال مقاومة موحدة.

لقد بقيت الرؤى والبرامج مختلفة بل متصادمة بين من لا يزال يتمسك بمنهج البحث عن السلام من خلال المفاوضات على أساس قرارات الأمم المتحدة، وبين من لا يرى جدوى من ذلك، ويرفض هذا المنهج ويعلن تمسكه باستراتيجية التحرير الشامل، والمقاومة المسلحة، من دون تجاهل لأشكال المقاومة الشعبية.

وبصراحة أكثر فإن قرارات المجلس المركزي والوطني، واللجان التنفيذية للمنظمة والمركزية لحركة فتح فيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل بما في ذلك وقف التنسيق الأمني لم تؤخذ على أنها نتيجة مراجعة شاملة، للمنهج السياسي، والتحول عن نهج البحث عن السلام، بقدر ما أنها كانت قرارات تكتيكية هدفها الضغط، لتحقيق أهداف صغيرة في الدائرة ذاتها.

الملفات الفلسطينية الداخلية، كانت هي الأخرى، برهن نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية ما يعني أن الحوارات كانت على الأرجح ستصل إلى نتائج إيجابية قد لا تكون حاسمة في حال فوز الرئيس ترامب، ولكنها سترتد إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل مرحلة الحوار في حال فوز الرئيس المنتخب جو بايدن.

الفرصة كانت متاحة فقط في حال استمر ترامب وصفقته في البيت الأبيض، لأن تلك الصفقة، كادت تطيح بكل الحقوق الوطنية السياسية للشعب الفلسطيني، دون أن تترك للجميع سوى قرار المجابهة لإفشال تلك الصفقة وتداعياتها.

المعنى هو أن أساس الحراك نحو الحوار والمصالحة، كان قائماً على توافق سياسي فلسطيني عام ما كان يفسده استمرار السلطة في الحديث عن أهمية السلام والالتزام بمساره على أساس قرارات الأمم المتحدة ورؤية الدولتين.

في ظل صفقة ترامب كانت الفصائل مستعدة لتفهم خطاب السلطة بشأن البحث عن التسوية، انطلاقاً من فهم واقعي، بأن هذا الخطاب غير واقعي في ظل سياسة أميركية إسرائيلية تعمل بقوة على إغلاق كل نافذة يمكن أن تؤدي إلى سلام مقبول على الفلسطينيين.

فوز الديمقراطي جو بايدن، نسف عملياً الأساس السياسي الذي قام عليه الحراك الفلسطيني الداخلي نحو المصالحة والشراكة ذلك أن خطاب السلطة السياسي بشأن المفاوضات والسلام، نابع من رؤية عميقة وحقيقية وليس خطاباً تكتيكياً.

جو بايدن فتح الطريق مجدداً أمام المراهنة على إمكانية تنشيط خط المفاوضات، ومحاولة تصحيح ما أفسدته السياسة التي قادها ترامب.
بايدن تحدث عن العودة لإدارة مفاوضات على أساس رؤية الدولتين، وعن عودة أميركا إلى المؤسسات الدولية التي انسحبت منها والعودة لتقديم مساهماتها في الـ»أونروا»، وفتح مكتب منظمة التحرير، وتقديم المساعدات المالية للمؤسسات المجتمعية الفلسطينية وربما للسلطة الوطنية.

ثمة تساؤلات كثيرة في هذا الخصوص، فهل ثمة تفاهمات بين السلطة، وجماعة بايدن، بما في ذلك الحصول على ضوء أخضر بشأن المصالحة ودمج حركة حماس في النظام السياسي واستعادة السلطة سيطرتها على قطاع غزة؟ وفي هذه الحال الافتراضية، نتساءل عن مدى قبول حماس وتفهمها لهذا الأمر، وبالتالي استعدادها لمواصلة العمل لتحقيق المصالحة على أساس ما تم التوصل إليه عبر الحوار مع فتح؟
إن كنا لا نملك جواباً عن السؤال الأول الذي يتصل بحملة جو بايدن، وموقفها من المصالحة الفلسطينية، فإن جواب السؤال الثاني يبدو واضحاً ذلك أن رد فعل «حماس» وفصائل المقاومة على رسالة أبو ركن وجواب حسين الشيخ كان حاداً، ومستنكراً، حتى قبل أن نعرف موقفها من إمكانية مواصلة الحوار حول المصالحة، من عدمه.

وعدا ذلك، وبصرف النظر عن مدى صحة ودقة الإجابات، هل يمكن تجاهل الموقف والدور الإسرائيلي من ملف العلاقات الداخلية الفلسطينية، خصوصاً أن إسرائيل لا تزال تعمل بكل قوة لإبقاء وتعميق الانقسام الفلسطيني، ولذلك جاءت الرسالة الإسرائيلية في توقيت دقيق.

وثمة تساؤل آخر، بشأن استعداد بايدن وإدارته، لممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل، لتعديل سياساتها أو تبديلها بشأن كل ملف السلام، كما فعل ترامب في تعامله مع «صفقة القرن» حيث لم ينتظر موافقة أو اعتراض أحد في المنطقة فلسطينيين أو عرباً؟

لقد جرّبنا ثماني سنوات كان باراك أوباما الديمقراطي على رأس الإدارة الأميركية، وقد اختلف مع الإسرائيليين إزاء موضوع الاستيطان، والسلام، والأولويات، لكنه رحل مع كثير من الإهانات التي تلقاها فيما واصلت إسرائيل سياساتها واستراتيجياتها المعهودة.

ليس هناك أي معنى، للتهويل والمبالغة في الحديث عن انتصار لأن إسرائيل ستعيد أموال المقاصة، فهذه أموال فلسطينية لكن الضحية الأولى المباشرة والسريعة، هي المصالحة وملف العلاقات الفلسطينية الداخلية.