نابلس - النجاح الإخباري - ملف "الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي"، حاضر في كل المحافل الدولية، ويتصدر حملات المرشحين للانتخابات الرئاسة الأميركية على وجه الخصوص، ويعد الملف عنصرًا مهمًا في كلِّ الخطابات التي يلقيها المرشحون على الناخبين سواء عبر وسائل الإعلام المتعددة أو عبر الخطابات الميدانية، فيختلف بين المرشح الجمهوري عن المرشح الديمقراطي.

وبحسب المراقبين يتميز خطاب الحزب الديمقراطي عن خطاب الحزب الجمهوري، بأنَّه يحمل وعودات وانفراجات تبقى حليفة الفائز إلى أن يغادر منصبه، بينما يتميز الخطاب الجمهوري بالتشدد والانحياز التام والكامل لدولة الاحتلال، والتساؤل الأبرز هنا يكمن في هل الحزب أم الشخص هو الذي يحدّد السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية؟، وماذا فعل الجمهوريون والديمقراطيون للقضية الفلسطينية؟.

سياسة واحدة

أستاذ التاريخ السياسي، د. ناصر اليافاوي يرى أنَّ السياسة الخارجية الأميركية، لا تختلف من حزب لآخر، موضحًا أنَّ الرئيس الأميركي سواء أكان من الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي، لا تختلف سياسته عن الآخر تجاه القضايا الخارجية؛ لأنَّها تخضع لمجموعة من المحددات، ويتحكم فيها كل من رئيس الولايات المتحدة الأميركية إضافة إلى عضوية نائب الرئيس، ووزير الخارجية، ووزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، ومدير المخابرات المركزية، وعدد من المستشارين الآخرين يختارهم الرئيس مثل، مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي، ومستشار الرئيس للسياسة الخارجية، ونائب وزير الخارجية، ورئيس هيئة موظفي البيت الأبيض، وسكرتير هيئة موظفي البيت الأبيض.

وأوضح لـ "النجاح الإخباري" أنه فيما يخص ملف الصراع "الفلسطيني - الاسرائيلي"، تعتمد الولايات المتحدة الأميركية إلى خلق "بعبع" في المنطقة "الشرق الأوسطتساوم من خلاله الدول المحيطة والمرتبطة بالملف، لبسط سيطرتها على المنطقة.

خطابات تجميلية

وأكد على أنَّ الرئيس الأميركي المنتخب لا يخرج عن السياسة المحددة له والتي يحددها المجلس آنف الذكر، لكنَّه يرى أنَّ خطاب الرئيس إذا كان عن الحزب الديمقراطي يتسم بالوعود بالانفراجات والتسهيلات؛ لأنَّه في الأساس يعتمد على ناخبين من أصول الأقليات العربية والإفريقية والعرقية والتي تعاني جملة من القضايا في بلدانها، وبالتالي يحاول كسب جميع الأطراف، مثلما حدث في عهد الرئيس "أوباما" الذي اتَّسم بالوعودات وزيارات للأزهر الديني في مصر وحمل خطابا تجميليا دون تطبيق على أرض الواقع.

وأضاف، خطاب الرئيس عن الحزب الجمهوري، يتطرق إلى الانحياز التام لدولة الاحتلال، ويرتدي القبعة التي ترمز للديانة اليهودية، لكسب تعاطف اليهود وجماعات الضغط في الولايات المتحدة الأميركية، ويتميز بالمشاريع الاقتصادية والأمنية ذات الاهتمام المشترك مع الاحتلال.

وشدَّد على أنَّ القضية الفلسطينية لم تشهد تقدمًا ملموسًا في عهد أي رئيس من الحزبين، سوى وعودات تبقى معلقة وتنتهي مع مغادرته البيت الأبيض، ليبدأ بعده رئيس جديد بطرح خطة جديدة وخارطة طريق جديدة.

مطبخ صنع القرار

ويرى الباحث في المعهد المصري للدراسات د. عصام عبد الشافي، أنَّ عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الأميركية، تعتمد على عدد كبير من الأطراف المشاركة، والمؤسسات الفاعلة والمشاركة في القرارات الخارجية للولايات المتحدة الأميركية.

وأشار لـ "النجاح الإخباري" إلى أنَّ صناعة القرارات الخارجية تكون عبر المؤسسات المشاركة فيه والتي تضم الكونجرس والأجهزة التشريعية للولايات والمحاكم، والرئيس ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع والهيئات التنفيذية المختصة والكونجرس، وأحيانا تقتصر أطراف صنع القرار على التيارات العليا الثلاث للحكومة الكونجرس والمحاكم والرئيس ومجموعة من المستشارين يختارهم الرئيس فور انتخابه.

ولفت إلى المحددات الأساسية التي يفرضها الدستور الأميركي، إضافة إلى السياسة العليا التي تتحكم فيها المؤسسات مثل المخابرات المركزية الأميركية والمستشارين ومجلس الأمن القومي تحدد شكل السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، ويسيرون وفق خارطة الطريق المعدة، ويتم تعديلها وفق المعطيات والمتطلبات التي يفرضها الواقع في كل دولة على حدا.

دولة مؤسسات

وأوضح الكاتب والمحلل السياسي، د. هاني العقاد، أنَّ الولايات المتحدة الأميركية، دولة مؤسسات، ويتولى تحديد السياسة الخارجية فيها، البيت الأبيض، لكن من يضع الأسس الجوهرية، مراكز خاصة المخابرات المركزية الأميركية، (CIA)، وهي التي بدورها توجه السياسة الخارجية الأميركية.

وبين لـ "النجاح الإخباري" أنَّ ما يطرحه أي رئيس أميركي تكون خطة محددة من المؤسسات التي تعمل وتخدم في مكتب الرئيس، ومنها مركز البحوث الاستراتيجية، والمخابرات المركزية الأميركية، ومجلس الأمن القومي الأميركي، وعدد من المستشارين يختارهم ترامب كمساعدين لهم بموافقة المؤسسات الرسمية ذات العلاقة، مشيرا إلى أنَّها تشترك في ورش عمل وتخرج بنتائج يتم تقديمها إلى البيت الأبيض، ويتم تنفيذها وفق رؤيتهم الخاصة، بتوصية من المؤسسات السيادية للدولة.

ونبَّه إلى أنَّ الشخصيات السياسية المساعدة مثل المستشارين والمبعوثين، هم عبارة عن أدوات يتم اختيارهم لتسويق المشاريع والخطط التي تقوم المؤسسات السيادية ببلورتها والاتفاق عليها، ويتم تغييرهم حال فشلوا في تسويق الخطة.

وشدَّد على أنَّ كل الرؤساء الأميركيين سواء من كانوا من الحزب الديموقراطي أو الجمهوري تشاركوا في عدم تحقيق سلام شامل وعادل في منطقة الشرق الأوسط، من أجل خدمة المشروع الصهيوني.

وأوضح أنَّه يتبارى على المشروع الصهيوني كل من الجمهوريين والديمقراطيين، وكل بطريقة معينة، ووفق رؤيتهم، موضحًا أنَّ الجمهوريين يتسمون بأنَّهم يجاهرون في الدعم للمشروع الصهيوني في المنطقة، بينما يعمل الديمقراطيون من الحديقة الخلفية في البيت الأبيض، ويسوقون بخطابات أنَّهم يؤيدون الحل السلمي في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأشار إلى أنَّهم يدعمون سياسة الاحتلال بالكامل.

وأرجع ميل الفلسطينيين والعرب إلى الديموقراطيين للخطاب التسويقي الذي يتميزون به، ولكن دون تنفيذ على أرض الواقع، موضحًا أنَّ خطاب الديمقراطيين يتسم بالمراوغة واللعب على عامل الوقت.

ونبَّه إلى أنَّ مجلس السيادة الأميركي الذي يرسم السياسة الخارجية للبيت الأبيض، يختار أشخاص فاعلين في المجتمعات العربية من أجل التسويق لسياساتهم، وخلق معارضة وتبنيها من أجل محاولاتهم المستمرة لترويع الأنظمة العربية، ومثال على ذلك، تصريحات بندر بن سلطان الأخيرة التي دعا فيها إلى ضرورة تبني الفلسطينيين المشروع "الصهيو-أميركي" في المنطقة.

دور مجلس الأمن القومي

ورأى الكاتب والمحلل السياسي المصري، د. أحمد سمير البطران، أنَّ لمجلس الأمن القومي دور بار في صنع القرار السياسي الخارجي الأميركي، موضحًا أنَّه يتكون من مجموعة تشكل جوهر السياسة الخارجية الأميركية، وغالبًا ما يشمل الرئيس الأميركي ونائبه، ووزير الخارجية، ووزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، ومدير المخابرات المركزية، وعدد من المستشارين الآخرين يختارهم الرئيس.

وأشار خلال حديثه لـ"النجاح الإخباري" إلى أنَّ أهداف السياسة الخارجية الأميركية غالبا ما تكون مرتبطة بمصالحها التي تكون اقتصادية بالدرجة الأولى، ومدى تحقيق الفائدة منها، في محاولات لخفض الديون المترتبة على الإدارة الأميركية.

ونبه إلى أن صناع السياسة الخارجية، غالبا ما يبحثون قضايا استراتيجية تعكس مدى استمرار السيطرة والقوة وخلق رادع قوي في المنطقة يمكن الإدارة الأميركية من مواصلة نهج سابقتها، مع الحفاظ على استنزاف الثروات من الدول الأخرى تحت غطاءات متعددة هم في الاساس يقومون بفرضها لهذه الأهداف.

مجرد أدوات

واتفق جميع المحللين على أنَّ الرئيس الأميركي وطاقمه لا علاقة لهم بصناعة السياسة الخارجية، بل يكون مجرد أدوات تظهر أمام الرأي العام الخارجي وينقلون الصورة فقط، للصانع الحقيقي.

يذكر أنَّ مؤسسات تخطيط السياسة الأميركية مثل، مجلس العلاقات الخارجية، ومؤسسة بروكنج للأبحاث، ولجنة التنمية الاقتصادية، ومؤسسة راند للأبحاث، ومعهد هيدسون للأبحاث، وأدوات المخابرات المركزية، ودوائر مكتب التحقيقات الفيدرالي هم الفاعلون الحقيقيون، وتضم تلك المجالس شخصيات في قمة الإدارات، عن الحكومة، والشركات الكبرى، والمؤسسات الصناعية متعددة الأنشطة، والبنوك، والمؤسسات الصحفية، ورجال القانون، والشخصيات الإعلامية التي تعد الرأي العام داخل وخارج الولايات المتحدة لأحداث التغيير المطلوب، وتأتي بعد ذلك مرحلة اللجان الخاصة التي يشكلها الرئيس لتقدم دعماً إضافياً في تقرير ما انتهت إليه معاهد الأبحاث ومجموعات التخطيط لتبدأ عملية الطرح على الشارع الأميركي في شكل عينات من المجتمع، ثم تظهر تلك المخططات في شكلها التشريعي على هيئة قوانين ولوائح تتضح معها مظاهر التعددية السياسية التي تتباهى بها نظرية السياسة الأميركية.