نابلس - ميساء أبو العوف - النجاح الإخباري - لم يستبعد خبراء ومختصين بالشأن الاسرائيلي إمكانية التصعيد العسكري بين قطاع غزة والاحتلال الاسرائيلي، في أي وقت، خاصة في ظل تدهور حالة الأسير ماهر الأخرس، والضائقة الاقتصادية التي يعيشها القطاع، وعدم التزام الاحتلال بالتفاهمات الأخيرة.

أوضاع اقتصادية صعبة

في هذا السياق أوضح المختص في الشأن الاسرائيلي عاهد فراونة، أن الاوضاع في  قطاع غزة هي أمنية هشة ومن المتوقع أن يكون هناك تصعيد ومواجهة ما بين الاحتلال والفصائل الفلسطينية في القطاع.

وتابع في حديث لـ "النجاح الاخباري":" الاوضاع الاقتصادية الصعبة هي محرك اساسي لهذا التفجير، والان الاوضاع تزداد صعوبة خصوصا في ظل ازمة كورونا التي اثرت على كافة المناحي الاقتصادية، والاحتلال حتى هذه اللحظة لم يطبق التفاهمات الاخيرة التي تمت، وخصوصا فيما يتعلق بالمشاريع الكبيرة وادخال كافة المواد وغيرها من الامور".

ولفت إلى أن الاحتلال يحاول ربط مثل هذه المشاريع الكبرى بالكشف عن مصير الجنود المفقودين في  القطاع غزة؛ وبالتالي يُرهن أي تسوية أو أي انعاش للحالة الاقتصادية في غزة ورفع الحصار المستمر منذ عدة سنوات الا بالكشف عن مصير هؤلاء الجنود.

وأضاف:" هذه هي سياسية بيني غانتس وزير الجيش في حكومة الاحتلال الذي يحاول ان يتميز عن نتنياهو والاخرين بأن له سياسة جديدة تجاه قطاع غزة، ما يجعل الاوضاع مرشحة للتصعيد لكن هذا التصعيد كما بتنا نشاهد في السنوات الاخيرة غالبا ما يكون تصعيد محدود، لان الاجواء لا تسمح بدحرجة الامور الى حالة حرب ومواجهة كبيرة . فكل طرف يرى أن الحرب لا تخدم اهدافه في المرحلة الحالية لكن جولات التصعيد قد تكون هي الخيار أمام كل الاطراف في هذا الشأن.

واستطرد قائلا:" الفصائل الفلسطينية تحاول إيصال رسائل من خلال هذا التصعيد بأنها لن تسكت عن الاوضاع الصعبة في القطاع، بالمقابل يحاول الاحتلال وخاصة بنيامين نتيناهو الاستفادة منها من أجل التهرب من الاستحقاقات الداخلية التي تواجهه بفعل قضايا الفساد. كما ان غانتس يريد ان يظهر بأن لديه سياسة أكثر حزما مع قطاع غزة من سابقيه في هذا الملف لكن كل الامور تظل فيما يسمى بدائرة قواعد اللعبة المتفق عليها ضمنيا في القطاع  بخصوص ألا يكون هناك تصعيد يقود الى حرب."

وفيما يتعلق بالسيناريوهات المتوقعة خلال الفترة القادمة أشارة فراونة الى وجود عدة سناريوهات منها: أن يكون هناك حلحلة من التفاهمات وهذا سيعمل على تأجيل اي عمليات تصعيد من خلال السماح بتحسين الاوضاع المعيشية والاقتصادية في قطاع غزة، واذا لم يكن هناك حلحلة في هذا الامر فسيؤدي الى سيناريو التصعيد في المرحلة المقبلة وهذا ما تتوقعه حتى الاوساط الامنية داخل دولة الاحتلال حتى انه وبعد التصعيد الاخير كانت تقول بأن هناك تصعيدا قادما في اي وقت وحتى انهم حددوا خلال شهر أو شهرين؛ لان الاوضاع الصعبة في القطاع  ستجعل الامور ضاغطة بشكل كبير، ما يخلق حالة انفجار محدود من أجل ان ايصال الرسالة في هذا المضمار.

وعلى صعيد تصريحات التي ادلت بها حركة الجهاد الاسلامي فيما يتعلق بجولة قتال مباشرة مع الاحتلال في حال استشهد الاسير ماهر الاخرس أكد فراونة ان ذلك يأتي من ضمن الضغوطات على دولة الاحتلال من أجل التجاوب مع مطالب الاسير ماهر الاخرس للإفراج الفوري عنه وعدم استمرار اعتقاله الاداري. لافتا الى انه في حالة وفاة أسير وهو مضرب عن الطعام فذلك يؤدي الى توتر الاوضاع الامنية والخروج لربما الى حالة مواجهة  في هذا الاطار.

ويرى المختص بالشأن الاسرائيلي أن دولة الاحتلال ستحاول حل موضوع الاسير الاخرس من خلال التوافق معه على حالة معينة إما أن يتم الافراج عنه فوريا، أو أن يتم الافراج عنه بعد مدة محددة. فدولة الاحتلال تسعى إلى العمل على عدم وفاته في سجونها وهو مضرب عن الطعام لان ذلك من شأنه خلق حالة كبيرة من التوتر. وإساءة لدولة الاحتلال أمام العالم أجمع. مضيفا انه في حال استشهد الاخرس فإن هذا سيكون بوابة من أجل التصعيد ستخوضه حركة الجهاد الاسلامي في هذا المجال لان الاسير الاخرس من ابناء هذه الحركة و هناك ضغط كبير عليها من أجل الانتقام له.

يذكر أن الأسير ماهر الاخرس والمضرب عن الطعام في سجون الاحتلال منذ 77 يوما على التوالي رفضاً لاعتقاله الإداري، يعاني وضعاً صحياً خطيراً، وسط إصراره على عدم فك إضرابه إلا بالحرية أو الشهادة، بينما يضرب الاحتلال الاسرائيلي مطالبه عرض الحائط، لكنه يحظى بدعم وإسناد من الكل الفلسطيني، وتهديد بتصعيد عسكري في حال حدث مكروه له.

والاسير الاخرس يرفض أخذ المدعمات، والفيتامينات، وإجراء الفحوصات الطبية من قبل صحة الاحتلال، وهو ويرقد حاليا في مستشفى كابلان بالداخل المحتل، وقد رفض عرضًا للاحتلال بالاكتفاء بمدة اعتقاله الحالية وأصر على إطلاق سراحه. كما أن زوجته موجودة هناك أيضا حيث أعلنت قبل أيام إضرابها عن الطعام وانضمت إلى زوجها.

دحض الرواية الاسرائيلية

بدوره قال الباحث الفلسطيني والمختص بالشأن الاسرائيلي عادل شديد، ان عودة البالونات الحارقة واطلاق الصواريخ في حال استمرت الازمة المالية وازمة الحكومة في غزة.

وأضاف في حديث لـ "النجاح الاخباري" :"علينا ان نكون حذرين والا نتبني ونعيد ونكرار الرواية "الاسرائيلية"، والتي تقول بأنه لا توجد مشكلة سياسية وان الاحتلال انتهى، والمشكلة فقط تكمن في كيفية ادارة حماس لحكمها في غزة، وأن الصدامات الاخيرة والاشتباكات والجولات منذ سنوات سببها الحصار والاقتصاد بغزة ،وليس الازمة السياسية والاشتباك المستمر منذ مئة قرن ما بين الشعب الفلسطيني والاحتلال الاسرائيلي".

وأكد على أهمية ان تبقى هذه الرواية بالوعي والخطاب الفلسطيني. مشيرا الى ان الموضوع الاقتصادي هو نتاج الازمة السياسية والحصار السياسي وسياسات الاحتلال المتبعة والمنفذة تجاه قطاع غزة. وهذا بالطبع لا يغفل الازمة الاقتصادية والدور الاقتصادي واثره على المشهد بشكل عام.

وتابع :" حركة حماس هي من تدير وتشرف وتقود قطاع غزة، وهي معنية في كل فترة ان تشعل الجبهة وان تعيد مسألة الجهاد والكفاح المسلح والمقاومة المسلحة الى الوعي والنقاش خاصة ان البعض اعتقد ان غزة استسلمت ورفعت الراية البيضاء. والان حماس تغوص في مشاكلها الاقتصادية والحياتية ومشاكل الحكم بغزة."

وأوضح شديد أن حماس ليست معنية بإنجاح وتثبيت هذه الرواية بقدر ما هي معنية بإبقاء أنها حركة مقاومة وحركة تحرر وطني قبل ان تكون سلطة ومسؤولة عن ادارة الحكم وتأمين حياة الناس. مؤكدا ان مسألة الاشتباك واردة ان لم تكن اسباب سياسية ستكون اسباب اخرى ولكن بالنهاية لا مصلحة لحركة حماس ولا الجهاد ولا لكل الفصائل في غزة ان تبقى العلاقة وكأنها في هدنة طويلة الامد. وان اقرار "اسرائيل" ان بقاء الحالة الفلسطينية  في غزة بعكس الاسرائيلي الذي يحاول أن يصور غزة وكأنها اصبحت مشكلة امنية من جهة ل"اسرائيل"، وانسانية حياتية في غزة يجب ان تشارك دولة الاحتلال والعرب والاخرين في حلها.

اما بالنسبة للسنياريوهات المتوقعة، يرى شديد أنه لا توجد سناريوهات شاذة عن السابق، فما شهدته غزة  في السنوات الماضية ستشهده في الفترة  القادمة وذلك لسبب وهو أن الحسابات الكبرى الاسرائيلية، والقراءة السياسية الاسرائيلية الاستراتيجية تتجه الى موضوع اكبر من غزة. أي تجاوز غزة والضفة والحالة الفلسطينية والذهاب باتجاه علاقات استراتيحية وتحالفات مع انظمة عربية.

وأشار انه لانجاح هذه التحالفات الكبيرة ما بين "اسرائيل" والدول عربية هي بحاجة الى تهدئة الجبهة الفلسطينية وكأن القضية الفلسطينية لم تعد قائمة ولم تعد تشكل محدد متغير في علاقة "اسرائيل" مع العرب. فالمنطقة ذاهبة باتجاه صياغة واقع جديد لمواجهة تركيا وادواتها وايران واذرعها وشركائها في المنطقة وكأن القضية الفلسطينية تم تجاوزها في المنطقة.

ولذلك فإن دولة الاحتلال ليست معنية بالذهاب باتجاه تصعيد عسكري يحرج  الانظمة التي ذهبت باتجاه التحالف معها على حساب الحق الفلسطيني والعربي.

"اسرائيل" وحماس غير معنية بالتصعيد:

أما المختص بالشأن الاسرائيلي عصمت منصور، اوضح أن مصادر الاحتلال تحدثت بالامس عن خبرين متناقضين، حول امكانية ادخال مئة مليون دولار مقابل تهدئة لستة شهور، ومصادر استخباراتية أخرى تحدثت ان الاوضاع قابلة للانفجار في القطاع، وأن وجهة حماس هي للتصعيد في الاسابيع القادمة.

وأضاف في حديث لـ "النجاح الاخباري": ربما يكون هناك تصعيد على غزة وهذا يتوقف بشكل كبير على اجراءات الاحتلال، وعلى اي مدى ممكن ان يعمل لتخفيف حدة الازمة الانسانية. وفي حال ابقى على الاجراءات كما هي ولم يقدم التسهيلات اللازمة ، فإن ذلك من الممكن ان يقود الى بعض التصعيد وقد يجر الى مواجهة اوسع ،ومع ذلك فهو يستبعد هذه الفرضية حتى الان."

وأشار الى ان المعادلة في قطاع غزة ما زالت كما هي فلا "اسرائيل"، ولا حماس معنية بالتصعيد في هذه الفترة، رغم كل التطورات السياسية الاقليمية ودخول دول لاتفاقيات سلام وتوقيعها مع دولة الاحتلال، وعلاقات التطبيع.

ويرى منصور أنه فيما يتعلق بقطاع غزة، فاذا لم يحدث تطور داخلي كبير يتعلق بانتخابات ومصالحة وترتيب اوراق وحكومة وحدة فلسطينية فان الامور ستبقى على نفس المنوال.

وأردف قائلا:" المنحة القطرية والتسهيلات والالية القديمة المعروفة هي التي تخدم الطرفين خاصة الوضع الوبائي في "اسرائيل" والاقتصادي وتراجع نتنياهو في الانتخابات كل هذه الامور تجعله غير متحمس للتصعيد. وكذلك الوضع في قطاع غزة حيث انه لا يحتمل تصعيد. مشيرا الى ان تغيرات داخلية فلسطينية جذرية قد تنعكس ايجابا على قطاع غزة وهو مرهون بالوضع الفلسطيني وليس "اسرائيل"."

ولفت الى ان اطلاق البالونات الحارقة والصواريخ يأتي بهدف تحريك الامور والضغط على دولة الاحتلال من خلال هذه الادوات ، بحيث تشكل ضغط عليها وتزعجها لكن لا تهدد باشعال مواجهة وذلك لان ضررها ليس  كبيرا ولا يشكل مبررا لشن حرب . وانما للضغط على الاحتلال من اجل الايفاء بما التزمت به وتم التعارف عليه في الفترة الماضية.

وبالنسبة لتهديدات الجهاد الاسلامي بجولة قتال حال استشهد الاسير ماهر الاخرس، أكد منصور ان هذا يأتي ضمن خلق حالة من الردع لدولة الاحتلال من أجل التجاوب مع ظروف الاسير الاخرس وخاصة انه دخل في مرحلة الخطر. لافتا الى ان استشهاده قد يوتر الاجواء، وسيكون هناك رد ربما يقود الى تصعيد ، ولكن الحديث يبقى عن جولة تستمر لأيام ومواجهة محدودة وليس مفتوحة وشاملة وحملة عسكرية كبيرة. هذا ما زال مستبعدا ضمن كل المعطيات القديمة التي ما زالت حتى الان تؤثر على الاوضاع.

وقد تضمنت تفاهمات التهدئة  بين قطاع غزة و"إسرائيل" والتي جرت برعاية قطرية، سماح "إسرائيل" بزيادة الدعم المالي الذي تقدمه دولة قطر كمساعدات إنسانية للقطاع، بالإضافة إلى تنفيذ مشاريع تهدف إلى خفض نسبة البطالة، وحل مشكلة انقطاع التيار الكهربائي.

وخلال العامين الماضيين، توصلت الفصائل الفلسطينية في غزة، إلى عدة تفاهمات مع دولة الاحتلال بوساطة مصرية وأممية وقطرية، تتضمن وقف التوتر الأمني والميداني مقابل تخفيف الحصار المفروض منذ 2006. لكن "إسرائيل"، بحسب حركة حماس، لم تلتزم بكامل بنود التفاهمات.