طلال عوكل - النجاح الإخباري - الوقت يمر بسرعة، وبسرعة يسير قطار التطبيع والانهيار العربي، فيما يتباطأ الفلسطينيون إزاء ما ينبغي عليهم أن يفعلوه. لن نعود إلى ما يمكن أن يفعله الفلسطينيون، فلقد اتفقوا خلال اجتماع الأمناء العامين وما اتفقوا عليه يشكل مرحلة مؤقتة بين مرحلتين.

ما جرى الاتفاق عليه لا يعكس الاتفاق على استراتيجية وطنية عامة تفرضها حقائق المشروع الصهيوني العنصري التوسعي. هي مرحلة وسيطة، تأخذ بعين الاعتبار متطلبات إبقاء حالة التضامن الدولي مع الحقوق الفلسطينية واستناداً إلى قرارات الأمم المتحدة.

قرارات الأمم المتحدة التي تتعلق بفلسطين والصراع هي في الأساس مجحفة، وتكرس الرواية التاريخية الإسرائيلية، وهي انتكاس لموازين القوى المحلية والعالمية، والقوة التي تحوز عليها القوى الاستعمارية التقليدية والحديثة.

الأصل هو أن فلسطين كلها ملك للفلسطينيين، وان إسرائيل مشروع استعماري، تم إنشاؤه لتلبية استراتيجيات وأهداف استعمارية غربية.

يتجاوز الأمر موضوع الرغبة، وحتى المصالح الصغيرة والكبيرة للأفراد والجماعات، ويتجاوز التكتيكات الصغيرة، غير المقنعة، وما هو مقنع ويتناسب مع الوقائع على الأرض، يستدعي استراتيجية وطنية شاملة تقرأ الصراع وتتعامل معه على أنه صراع وجود على كل الأرض وكل الحقوق. المشروع الصهيوني لن يترك مجالاً، لأحد كي يتقدم باستراتيجيات ومشاريع تخرج عن منطق ومحددات ومتطلبات الصراع الشامل والجذري.

إسرائيل بدأت منذ وقت تحضر ذاتها لكي تتحول إلى قوة إقليمية نافذة لقلب المعادلات في المنطقة، ولتقوم بالتوسع تحت ظلال كثيفة من التضليل والادعاء بأنها من تستطيع حماية أمن واستقرار الكيانات العربية الهزيلة.

ترامب أعلن أنه سيخلي الجنود الأميركيين من منطقة الشرق الأوسط ليس بسبب التبعات المالية وإن كانت مهمة، ولكن حتى يؤدي هذا الفراغ المصطنع، إلى منح إسرائيل الفرصة، لملئه، ومنح العرب المزيد من الذرائع للبحث عن المنقذ الإسرائيلي في ضوء حالة العداء مع إيران وتركيا.

في كل الأحوال، ترامب كاذب كبير، لأنه لن يخلي القواعد العسكرية الأميركية في عديد الدول العربية، على أرضها وفي مياهها الإقليمية.

إذا كان الواقع الذي تخلقه إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة، قد وضع بعض الدول العربية في الزاوية، ولم يبق لها من خيار سوى اللجوء المذلّ لإسرائيل، فإن الفلسطينيين، ينبغي أن يقودوا قطار المواجهة، وأن يعيدوا صياغة العلاقات في المنطقة، لا نقصد بطبيعة الحال أن ينخرط الفلسطينيون في سياسة المحاور، فتلك من شأنها أن تغذي حالة التحريض والعداء من قبل دول في المنطقة، وهو ما تريده وتسعى إليه إسرائيل.

الجامعة العربية مهترئة، مجزّأة وضعيفة، ولم تكن تصلح في أي وقت، لأن تقود مشروعاً عربياً نهضوياً توحيدياً، وهي قد انقسمت أكثر من مرة على خلفية أحداث كبيرة وصغيرة وقعت في المنطقة لم تنسها الذاكرة بعد.

المظاهر السيادية للدول ومنها الأعلام الرسمية ليست حصراً على الحكومات والأنظمة السياسية، فهي مظاهر سيادية للشعوب في الأساس ولذلك لا يمكن أن يصل الغضب حد إحراق هذه المظاهر، لأن ذلك يمسّ كرامة الشعوب التي نعتبرها أصيلة ورافضة لسياسات حكوماتها.

لا بدّ من الحذر في التعبير عن الغضب، فالانسحابات والمقاطعة لا تفيد سوى إسرائيل، فأينما يخلي الفلسطيني المكان يدخل الإسرائيلي لاحتلاله. ينبغي ألاّ ينسى أو يتناسى الفلسطينيون أنهم أهملوا لعقود العلاقة مع قوى وأحزاب التحرر العربي، حتى كادت تختفي من عديد المجتمعات العربية، وكان لها أدوار بارزة خلال مسيرة الثورة الفلسطينية سواء بالدعم المباشر أو بالتأثير على سياسات حكوماتها. ليس الوقت مناسباً لنكء الجراح، ومراجعة التاريخ السابق والخوض في توزيع المسؤوليات، فهذا ليس وقت التلاوم، والاستفزاز، ونحمد الله أن أجواء اجتماع الأمناء العامين قد ابتعد عن ذلك إلا قليلاً.

لاحظوا ما يجري، اليوم، حيث يجري حوار في تركيا بين إسماعيل هنية رئيس حركة حماس وجبريل الرجوب أمين سر حركة فتح.

بالتأكيد فإن تركيا من الدول الفاعلة والمؤثّرة في الإقليم، وهي تقف إلى جانب الحقوق الفلسطينية، وأعلنت مواقف رافضة للانهيارات التطبيعية، رغم أنها دولة في حلف      الـ»ناتو»، وتعترف بإسرائيل وتقيم معها علاقات أمنية وتجارية ودبلوماسية.

في الوقت ذاته، تفتح بعض وسائل الإعلام المصرية النار على حركة حماس بخلاف واقع العلاقة المعقولة بين مصر و»حماس». هذا إنذار مبكر، وتحذير من أن يتم استبدال الدور التركي بالدور الفلسطيني، في ظل التوتر الشديد بين تركيا ومصر وله أسبابه بطبيعة الحال. تنظر مصر للدور التركي في ليبيا وفي شرق المتوسط حيث حقول الغاز والنفط على أنه يهدد الأمن القومي المصري وعلى أن دورها في سورية، وأماكن أخرى يهدد الأمن القومي العربي الذي تقع مصر في مركزه.  اللقاءات «الفتحاوية» و»الحمساوية»، في تركيا على الأرجح، تبحث في إمكانية تحقيق قفزة إيجابية في ملف المصالحة.

مع ذلك، لا يمكن أن يلام الفلسطيني في حال عزز علاقاته مع الدول العربية التي تتمسك بالحقوق الفلسطينية والعربية وترفض التطبيع، مثل الكويت والجزائر وتونس، من دون تجاهل دول أخرى ولكن ذلك لا يعني القطيعة مع بقية الدول العربية، بالرغم من مواقفها وسياساتها المدانة والمرفوضة.

 

نقلاً عن الأيام الفلسطنية