نابلس - سامي أبو سالم - النجاح الإخباري - 17 دقيقة و29 ثانية هي طول الحلقة التي قدمها اليوتيوبر "الاخواني" عبد الله الشريف عن عملية "ميونخ" التي نفذتها حركة "فتح" في مدينة ميونخ بألمانيا، لكنه لم ينطق باسم "فتح"، ولا مرة واحدة، لا اسم الحركة ولا اسم أي من المسؤولين المباشرين عنها، طوال الحلقة.

خلال الحلقة، التي لم تخل من سموم سياسية، استطاع عبد الله الشريف أن ينبش في التاريخ ويفتش عن أسماء المنفذين الثمانية وتاريخ وتوقيت تنفيذ العملية بالدقيقة، ورقم المبنى الذي أقام فيه الاسرائيليون، وكيفية الدخول، واسم قائد شرطة ميونخ "مانفريد شرايبر" واسم مساعده "والتر تروجر"، وبصورهما، ونقّب في مصادر في 31 ألف وثيقة أميط عنها اللثام بعد 20 عاما من العملية التي نُفذت في أيلول 1972 ليعرف الخطة العسكرية وأماكن القناصة وسبب فشل خطة الأمن الألماني.

ومع كل هذا التنقيب والنبش والبحث عجز- سبحان الله- اليوتيوبر أن يعرف أن حركة فتح كانت وراء العملية، وأن منظمة "أيلول الأسود" لم تكن سوى ستاراً لتجنيب الحركة أي حرج سياسي في عمليات ساخنة على الصعيدين الاقليمي والدولي. وعجز أن يعرف أن مسؤول العملية المباشر هو عضو المجلس الثوري لحركة فتح، محمد عودة (أبو داود)، وبتعليمات مباشرة من صلاح خلف (أبو إياد)، "وما خفي أعظم".

ولم يستطع الشريف أن يكشف أن العملية كانت جزءاً من حرب الأشباح بين الموساد ومنظمة التحرير الفلسطينية، ، وأن العملية نفذت العملية لعدة أسباب على رأسها؛ غياب القضية الفلسطينية عن الساحة الدولية وتحييد الاعلام لها فتم اختيار الألعاب الأولمبية لجذب أقصى اهتمام اعلامي، ولتصاعد الاغتيالات الإسرائيلية ضد كوادر منظمة التحرير الفلسطينية، هذا بجانب- ما ذكره- للافراج عن أسرى فلسطينيين وغير فلسطينيين في سجون الاحتلال ورفض ألمانيا مشاركة م.ت.ف في الألعاب الأولمبية والسماح للفريق الإسرائيلي.

هل هو خطأ منه؟ أم شح معلومات؟ الأرجح أنه خطوة مدروسة ومقصودة لتغييب خصم سياسي. فالتحييد مهارة إعلامية غير معلنة يلجأ إليها إعلاميون ووسائل إعلام وفق السياسة التي يرسمها رئيس التحرير الحقيقي (الممول) الذي يهدف من ورائها تحييد الخصم وتجريده من أي ثقل سياسي- وغير سياسي- على الساحة الدولية الرسمية وغير الرسمية، أو حتى تجريده من حاضنته الجماهيرية على الصعيد الداخلي.

وهذا ما اعتمدت عليه وسائل الاعلام الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني منذ قبل النشأة لدولة الاحتلال، فاختارت في دعايتها صورا فوتوغرافية قديمة "لأرض الميعاد" التي كانت أغلبها لأماكن مقدسة بدون مواطنين وذلك لتثبيت رؤيتها "أرض بلا شعب"، فغيّبت الشعب وصورت فلسطين أنها أرض بِكر إلا من بعض الرعاة والقديسين. والأمثلة كثيرة حتى يومنا هذا، ربما لا مكان لها هنا، لكن حسبنا ان نذكر أن مواطنين كثر في الولايات المتحدة وأوروبا- وفق احتكاكنا بهم- لا يعرفون "فلسطين"، وينقذنا في التعريف إسم ياسر عرفات "أحد أسماء فلسطين الجديدة"، كما قال درويش.

فتغييب اسم "فتح" لم يكن عبثا بل وفق منهجا مدروسا، فالوصول لهذه المعلومات أيسر بكثير من الوصول لاسم مساعد مدير شرطة ميونخ، وأسماء المسؤولين عن العملية لا يحتاج سوى "كبسة زر" سيما الذين أعلنوا عن ذلك مثل أبو داوود الذي صرح بذلك في أكثر من محفل على رأسها كتاب "من القدس إلى ميونخ"، ومقابلات متلفزة.

هذا ناهيك عن استغلال اسم هذه العملية في التهكم على أمن وجيش بلاده (جيش مصر) وعرض صورة علم مصر ممزقا، والطعن في انتصارات جيش مصر على الارهاب في سيناء، وتمرير رسائل سياسية أخرى لسنا بصددها.

حلقة من 17 دقيقة و29 ثانية عن عملية نفذتها حركة "فتح" بسبب تغييب القضية الفلسطينية فتغيب حركة "فتح" وقادة العملية عن الحلقة؟! الأجدر أن نشاهد حلقات عن هذه العملية – وغيرها- من أصحاب العملية نفسها، وليس بلسان خصوم سياسيين يتخذون من التدليس والتغييب ودس السم في العسل منهجا راسخا، فهذا الاعلام الأعور يستمد قوته من مصادر كثيرة أهمها تراخي وغفلة الخصم الذي ترك ساحة الأعمال الوثائقية المتلفزة- وغيرها- ليرتع فيها المدلسون.