رامي مهداوي - النجاح الإخباري - سأتناول، اليوم، مُلخصا لعدد من القراءات وأيضاً البرامج والتقارير التي قرأتها أو/ وحضرتها حول عدوى «COVID-19» الذي يعتبر أكبر تهديد للبشرية منذ الحرب العالمية الثانية. وما له انعكاس واضح حول تراجع الثقة في التعاون والمؤسسات الدولية إلى مستويات منخفضة ومستمرة الانخفاض.
نحتاج إلى التفكير بعمق في سبب عدم استعداد المجتمع الدولي لتفشي مرض كان لا مفر منه. هذه ليست المرة الأولى التي يواجه العالم مثل هذه الكوارث، فالجميع يعترف بأن المؤسسات الدولية فشلت في إدارة المخاطر السلبية الناجمة عن العولمة.

جميعنا يعلم ــــ وبالأخص أبناء شعبي ـــ أن الأمم المتحدة لا تحكم، ومن يحكم العالم دول مقسمة، تفضل أن تذهب وحدها، وتجوع المؤسسات المصممة لحماية مستقبلنا من الموارد والسلطة اللازمة. لقد فشل المساهمون في منظمة الصحة العالمية ــــ وليس موظفيها ــــ بشكل فاضح في ضمان قدرتها على ممارسة ولايتها الحيوية لحماية الصحة العالمية.

عندما يصبح العالم أكثر ارتباطا، يصبح أيضا أكثر اعتمادا على بعضه البعض. لكن تابعنا رفض الرئيس الأميركي التفكير العلمي وأنتج أنباءً مزيفة، ونبذ الحلفاء التقليديين والمؤسسات الدولية وأصبح يتعامل بعنجهية «الكاوبوي» حتى مع ارتفاع عدد المُصابين في وطنه، وبلغة الأرقام نجد أن حوالي 160 مليونا إلى 210 ملايين أميركي سيصابون بحلول كانون الأول 2020. وسيحتاج ما يصل إلى 21 مليونا إلى المستشفى ويمكن أن يموت ما بين 200000 و1.7 مليون شخص في غضون عام. يعتقد باحثو جامعة هارفارد أن 20% إلى 60% من سكان العالم يمكن أن يصابوا، ويقدرون بشكل متحفظ أن 14 إلى 42 مليون شخص قد يفقدون حياتهم.

مع ارتفاع معدلات الإصابة بسرعة، يدرك معظم السياسيين التكاليف البشرية والاقتصادية الصادمة لـ»COVID-19». بالتالي يعتمد مدى الوقاية من الوفيات المباشرة والمفرطة على مدى سرعة المجتمعات في الحد من الإصابات الجديدة، وعزل المرضى وتعبئة الخدمات الصحية، وإلى متى يمكن منع الانتكاسات واحتواء الوباء. وهنا الجميع يعترف وبشكل صريح أنه دون لقاح سيكون «COVID-19» قوة مدمرة بشكل كبير لسنوات.

وعلى صعيدنا الفلسطيني، يجب أن نأخذ أهم ملاحظة عالمية تتمثل بأن الوباء سوف يكون مدمرا بشكل خاص للمجتمعات الأكثر فقرا وضعفا في العديد من البلدان، ما يسلط الضوء على المخاطر المرتبطة بتزايد عدم المساواة؛ في المجتمعات الفقيرة حيث يشارك العديد من الأفراد غرفة واحدة ويعتمدون على الذهاب للعمل من أجل لقمة العيش، ستكون الدعوة إلى العزلة الاجتماعية صعبة للغاية إن لم يكن من المستحيل الالتزام بها. في جميع أنحاء العالم، حيث يفقد الأفراد دخولهم، يجب أن نتوقع تزايد التشرد والجوع بسرعة. بالتالي البلدان الفقيرة ببساطة لا تملك القدرة على ضمان ألا يموت أحد من الجوع.

الكثير من التقارير الإخبارية العالمية تُجمع بأن الاستجابة الاقتصادية والطبية غير المسبوقة في البلدان الغنية ليست متاحة ببساطة للعديد من البلدان النامية. ونتيجة لذلك فإن الأثر المأساوي هو أن العواقب ستكون أكثر شدة وطويلة الأمد في البلدان الفقيرة. وسيتراجع التقدم في التنمية والديمقراطية في العديد من المجتمعات الأفريقية وأميركا اللاتينية والآسيوية. سيؤدي هذا الوباء العالمي إلى تفاقم عدم المساواة بشكل كبير داخل البلدان وفيما بينها.

علينا الانتباه بأنه سيكون للظروف الاقتصادية المتدهورة آثار بعيدة المدى على الاستقرار السياسي والاجتماعي. هناك بالفعل فجوة ثقة هائلة بين القادة والمواطنين. يرسل بعض القادة السياسيين إشارات متضاربة ويتلقى المواطنون رسائل متضاربة. وهذا يعزز عدم ثقتهم بالسلطات العامة، إن انعدام الثقة هذا يمكن أن يجعل الاستجابة للأزمة أكثر صعوبة على المستوى الوطني، كما أنه قوض الاستجابة العالمية للوباء.

ما قرأته في العديد من الأخبار الدولية بأن الجميع يرفع شعار «الآن ليس وقت الاتهامات: إنه وقت العمل». يجب على الحكومات والبلديات والشركات والمواطنين العاديين في جميع أنحاء العالم بذل كل ما في وسعهم لتسوية منحنى الوباء على الفور.

في النهاية، سوف نتغلب على هذه الأزمة. لكن الكثير من الناس سيموتون، وسيكون الاقتصاد متضررا بشدة، وسيبقى خطر الأوبئة. ويجب ألا تكون الأولوية عندئذٍ للتعافي فحسب، بل أيضا إنشاء آلية قوية متعددة الأطراف لضمان عدم ظهور جائحة مماثلة أو حتى أسوأ مرة أخرى.

للتواصل:
[email protected]
فيسبوك RamiMehdawiPage