طلال عوكل - النجاح الإخباري - غريب وعجيب عن ميكانزمات حركة الحياة والسياسة والناس، لكنها على ما يبدو صفة وحسابات تعود إلى منطق الأنا، الذي يتميز بها أصحاب الثروة والسلطة.

 لا يرى هؤلاء اعوجاجات رقابهم، فإن أصابهم سوء في أحوالهم أو أبدانهم بحثوا عن شماعات لتحميل أخطاؤهم وخطاياهم عليها.

هلوع وجشع الإنسان إلى حدود العمى لا نهاية لطموحاته وأطماعه وإشباع رغباته الخاصة. حين تقرر المرجعية الدينية، التي يتسترون بها أن المال والبنون زينة الحياة الدنيا، فإن الإنسان يقرر أن السلطة والمال هي زينة الحياة الدنيا، ولا يتيح لهم جشعهم لأن يدركوا، أنها قد تكون جحيم الدنيا والآخرة. خلال العشرية الأخيرة عصفت بالمنطقة العربية رياح عاتية هوجاء، أصقطت حكومات وزعماء ونشرت فوضى عارمة ودمار كبير.

 صمد بعض الزعماء ولقي آخرون مصيرا أسود محزنا، حتى انتفض السؤال، لماذا يقاوم هؤلاء الزعماء حتى الموت أو المذلة، أهي الفطرة أم أنه الاحساس الخاطئ بالخلود. ألم يكن أفضل مئة مرة أن يستجيب القذافي لنداء الناس حتى لو كانوا أقلية، فيذهب إلى انتخابات عامة، ليصبح بطل التغيير والديمقراطية فضلا عن أنه بطل ثورة الفاتح؟ نسوق ذلك على سبيل المثال لا الحصر فمثل هؤلاء إما يقتلون شر قتلة وإما يسومون الموت والعذاب لمواطنيهم والدمار لبلدانهم، مرة تحت شعار القومية والوطنية ومرات تحت رداء الدين. لبنان ينتفض عن بكرة أبيه، ويعاني آثار مرحلة طويلة من الفساد المستطير والفوضى والطائفية البغيضة وضعف الموارد والإمكانيات الاقتصادية وتعدد الولاءات الخارجية، حتى أصبح ساحة لتصفية حسابات خارجية. في زمن سابق كانت حسابات الطائفية تدفع البعض لرفع الصوت والسوط في وجه اللاجئين الفلسطينيين مطالبين وعاملين على إخراجهم بأي طريقة من الحسابات الديمغرافية.

 يرفض الطائفيون ويرفض الفلسطينيون كلهم التوطين، ولكن كل بحسب منطقه. الطائفيون يريدون إخراج نحو أربعمئة ألف فلسطيني سني من المعادلة الداخلية، والفلسطيني يرفض التزاما بقضيته وإيمانه بحقه في العودة إلى وطنه. بدون العودة كثيرا إلى الوراء كان الرئيس السابق المغدور بشير الجميل قد عبر عن ذلك بإصدار قرار يمنع بموجبه الفلسطيني من ممارسة نحو سبعين مهنة، وعمل على محاصرتهم داخل مخيماتهم وقد بقية الحال منذ عام 1982 بدون أن يتحرك أحد لرفع المعاناة عن اللاجئين الفلسطينيين.

 واضح أن الحسابات الطائفية تجتمع في العموم على قمع وتجويع ومحاصرة الفلسطينيين، البعض لإبراء ذمته ونزع المخاوف والذرائع والبعض الآخر من طوائف مختلفة يمارس ذلك عن قانعة عميقة وأهداف خبيثة. المؤسف أن حسابات مرحلة ما بعد خروج مقاتلي منظمة التحرير من لبنان عام 1982 تركت الفلسطينيين في لبنان لمصيرهم فتم استضعافهم والاستقواء عليهم والإمعان في تجويعهم وقمعهم.

 تخطئ كل الحسابات التي تقوم على تمثل دور الضحية فيما الضحية تملك القوة وتستطيع الدفاع عن نفسها.

 أحد نواب السنة من تيار المستقبل، وهو لا يستحق ذكر أسمه يخرج على الملأ ويلقي باللائمة والمسؤولية عن خراب لبنان لأربعمئة ألف فلسطيني، بالإضافة إلى المهجرين السوريين ويطالب بإبعادهم.

تنطوي هذه التهمة والدعوة على أبعاد شخصية وسياسية فالمعني واحد من أعلام الفساد، الذين يخشون على مصالحهم ومرتباتهم العالية جدا ومناصبهم التي تدر عليهم ذهبا، أما في البعد السياسي فإن دعوته تنخرط في سياق الحملة الإقليمية وبضمنها بعض العرب والدولية لممارسة تشديد الضغط على الفلسطينيين، كل الفلسطينيين لإرهاقهم ودفعهم نحو القبول بالمخططات الأمريكية الإسرائيلية. هذا الفاسد لا ينطق عن الهوى فهو ذو مكانة في قيادة تيار المستقبل الذي يقوده الحريري، والذي يعرف الجميع أين مربطه.

 الفلسطينيون في لبنان لم يكونو يوما وليسو الآن طلاب سلطة، ولكن في ضوء ما يدور حولهم من دمار وينتظرهم من مستقبل، لا يستطيعون ولا يليق بهم أن يواصلوا تحمل المزيد من القهر والظلم، وبمقدورهم أن يكونو عنصرا فاعلا في تحديد معالم المستقبل الذي ينتظرهم كما ينتظر أشقائهم اللبنانيون.

حين يتعلق الأمر بمصير الشعب الفلسطيني وحقوقه فإن كل الفلسطينيين معنيون في مواجهة المخططات المعادية، ولا يجوز إطلاقا أن يظل الفلسطيني في موقع الضحية الذي لا يصدر صوتا ولا يقوى على رفع الظلم عن نفسه.