طلال عوكل - النجاح الإخباري - وصلني على ماسنجر بوست يقول: على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه "سيجتهد لأن تبلغ إسرائيل عيد ميلادها المئة، لكن هذا ليس بديهياً فالتاريخ يعلمنا أنه لم تعمر دولة للشعب اليهودي أكثر من ثمانين سنة وهي دولة الحشمونائين".

وفي وقت سابق وصلني بوست آخر للعجوز الشمطاء غولدا مائير تقول فيه: إن يوماً سيأتي يكون فيه حكام العرب من أبناء جلدتها. والآن بغض النظر عن مدى المصداقية في هذه الأقوال المنقولة إن كانت صحيحة أو مزوة، فإن واقع الحال يضفي قدراً عالياً من المصداقية. الأمر يتعدى الحديث عن مخططات صهيونية نظرية نستعيد استذكارها أو قراءتها إن كانت أوراق أو ممارسات تحققت على الأرض، ذلك أن الواقع الراهن للنظام العربي الرسمي، الذي ينخرط في تدخلات بينية مدمرة تصب كلها في صالح دولة الاحتلال والمتصارعين الإقليميين والدوليين على ثروات وإرث ومكانة الأمة العربية يلقي بالتهمة على كثير من الزعماء العرب سواء كانوا فعلياً من أبناء جلدة غولدا مائير أو يتطلعون عن جهل لخدمتها.

طويلة المرحلة التي دخلتها المنطقة العربية منذ اندلاع حراكات ما يسمى بالربيع العربي وما جرى حتى اليوم من دمار وقتل للملايين وهجرات واسعة وتبديد للثروات والأموال وزرع لكل أنواع الفتنة، كل ذلك لا يشير إلى اقتراب نهاية هذه المرحلة الخطيرة. مصر اليوم في عين العاصفة، فثمة تهديدات استراتيجية جدية جداً لأمنها القومي وأمنها وسلامها الداخلي.

في الداخل تستمر الجماعات الإرهابية، وعلى حدودها الغربية يتصدر التدخل العسكري التركي المشهد بدون تجاهل الندخلات الأخرى، والعيون مفتوحة من قبل أطراف عديدة إقليمية ودولية على النفط والغاز المكتشف في حوض البحر المتوسط، واثيوبيا تسعى لخنق مصر والسودان من خلال حبس مياه نهر النيل عبر سد النهضة فإن لم يكف ذلك، فستقيم المزيد من السدود فيما تقف إسرائيل منذ زمن خلف هذه السياسة.

رياح ساخنة جداً تهب على المنطقة، وقد تتسبب في حرائق واسعة وحروب مدمرة فيما العرب ما يزالوا يبددون إمكانياتهم في مراهنات خاسرة كل لحماية رأسه مرةً بالاعتماد على أميركا ومرةً على إسرائيل. إسرائيل تبدو في قمة التغول والشعور بالتفوق إلى الحد الذي يجعلها تتطلع إلى التوسع في الضفة الغربية وردم مشروع سلام الدولتين تحت التراب.

هذه مرحلة لن يطول أمدها فلا أميركا ستظل على رأس حكومة العالم ولا الفلسطينيون سيظلون على ضعفهم وجهلهم وأوهامهمن ولا إسرائيل ستظل على هذه الدرجة من القوة. ما يقوله نتنياهو يكفي للإشارة إلى حقائق التاريخ، فدولتهم في غابر الأزمان لم تستمر أكثر من ثمانين سنة، الأمر الذي ينسف الرواية الصهيونية حول الحق التاريخي والإلهي في فلسطين.

نتنياهو متشكك من رسوخ دولته ويقول إنه سيجتهد وقد ينجح أو لا ينجح في أن تحتفل إسرائيل بعيد ميلادها المئة. نتنياهو يعترف بأن أمله هذا ليس بديهياً ولا ضمانة أكيدة لبلوغ هدف الاحتفال ببقاء إسرائيل لمئة عام. عمر إسرائيل الآن اثنين وسبعين عاماً، فما الذي يجعله غير متأكد من أن دولته ستستمر لثمانية وعشرين عاماً أخرى.

لا يخشى نتنياهو تبدل الأوضاع العربية خلال الفترة المتبقية حتى تبلغ إسرائيل المئة بما يضعها أمام خطر نهوض القومية العربية، إذاً لماذا يعيش نتنياهو والكثير من الكتاب والجنرالات الإسرائيليين هذا الهاجس؟ ولماذا يقول يهودي أميركي مثل مارتن انديك إن مشروع الضم سيدفع المشروع الصهيوني إلى الهاوية؟

يكمن السر في أن الشروع الداخلي لهؤلاء يشكك في شرعية استمرار إسرائيل وفي قدرتها على تسويق روايتها للعالم. غير أن التفسير المنطقي هو أن القعلة الإسرائيلية التي تبدو قوية وحصينة ستنهار من داخلها بفعل عنصريتها وبلطجتها واحتلالها وجشعها التوسعي.

وبالإضافة إلى ذلك فإنها تواجه فعلاً شعباً من الجبارين الذين احتار في أمرهم الكاتب الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي، الذي ختم مقالة له بتقديم نصيحة لمن لا يسمعون، بأن حماية وجود إسرائيل أو إطالة عمرها تكمن في الانفصال عن هذا الشعب ومنحه الحد الأدنى من الحقوق التي يطالب بها.