اكرم عطا الله - النجاح الإخباري -  للأمم والشعوب مقدساتها ليس بالضرورة أن تكون دينية ولكن هناك ما يشبه المقدس الوطني لكل شعب يعتز بنفسه وبتراثه وتاريخه وحاضره ومستقبله ويبني ثقافته بتراكم الأجيال ولكل شعب ما يفخر به أمام الشعوب من معارك وأبطال وبطولات وأسماء لم تكن عابرة في تاريخه بل  بقيت بصماتهم الممهورة دليلاً لخارطة الشعوب ومفاتيحها.

كان الرأي العام الفلسطيني يشغل نفسه خلال الفترة الماضية في سجال مدافعاً عن أيقوناته التي تعرضت لنوع من الهجوم فاذ به يستنفر كل مصداته الدفاعية بعاطفة لا تندلق الا صادقة وطاهرة تعبر عن صدق عمن كتبوا اسم الوطن في كل البحار والصخور وفضاءات الكون بل أصبح اسم فلسطين الحديث مرتبطاً بتلك الأيقونات من يستطع أن يذكر فلسطين دون أن يفكر بمنظمة التحرير في كل صفحة من تاريخها، من يستطع أن يتحدث عن فلسطين دون أن يجد ياسر عرفات مؤسساً وقائداً وأباً وابناً يقاتل في كل معركة ويجلس على كل كرسي ويمشي في كل شارع ويسبح مع كل موجة كانت وجهتها نحو فلسطين فهو صانع تاريخ الفلسطينيين في نصف القرن الأخير وباني مجدهم.

منظمة التحرير الفلسطينية ليست مؤسسة هيئة أو حكومة أو قيادة بل هي البعث الجديد للفلسطينيين من ركام النكبة بعد أن تشتت هذا الفلسطيني في كل أصقاع الأرض موزعاً تتنازعه هويات وثقافات بعد أن تعرض مجتمعه وتماسكه وهويته لضربة في عموده الفقري ولم يعد هناك جامع للفلسطينيين واذ بالمنظمة تعيد الشعب من جديد نحو هوية واحدة وعلم واحد ونشيد واحد ووجهة واحدة وتعيد تماسك الشعب المشرد وتعيد له اسمه وهويته وعنوانه قضيته.

محمود درويش طفلنا المدلل الذي ملأ العالم شعراً وحباً فقد كتب اسم الوطن على الريح وفوق الغيم وعلى ظهور الأحصنة وشجرة الجميز وجعل الجميع يردد فلسطين شعرا رافعاً علمنا فوق راياتهم وعلى قلاعنا المحفورة عميقاً في تاريخ كان يربط ماضيه البعيد بحاضر مزهو بأبيات شعر كان ينبتها من صخور البلاد ويعصر زيتونها حبقاً ويجعل صاجات الكون تغني أغاني الرعاة الأولون في أريحا وحيفا ويافا وسلم الكرمل وفضاءات كانت أقل من تتسع لشعر كان أشبه بالسحر لأنها غنت لأجمل البلاد.

كانت الطائرة تقطع بنا  فوق الأطلسي  لثماني ساعات مملة جعلتني أصطنع حديثاً مع جاري الطبيب الهندي في المقعد ليسألني من أين أنت؟ فأجيبه من فلسطين، لم يسمع بها ويرفع حاجبه استغراباً وأحاول أن أقرب له الأشياء القدس، لا يعرف، الانتفاضة، حاولت أن أستدعي من حواضرنا ما يسهل معرفة العالم بنا وفجأة أنقذني حين قال أأنتم شعب ياسر عرفات؟ نعم نحن شعبه كان ذلك بعد عشرة أعوام على  رحيله وكنا لا زلنا لا ندخل المعرفة الا من بوابة كوفيته.

وباستثناء الكبيران ياسر عرفات ومحمود درويش فالمنظمة هي البيت والهوية ولكن علينا أن نميز بين المنظمة كفكرة وكيان لا يمكن الاقتراب أو المساس بها وبتاريخها كما يعتقد من يظنون أن التاريخ يمكن تزويره وما بين المنظمة كمؤسسة شاخت وعليها الكثير من الملاحظات وواجبنا أن نوجه لها ما يكفي من الملاحظات مطالبين بتصويبها وتصليبها لأن المؤسسة أصغر كثيراً من الارث الذي تحمله أي التمييز بين المنظمة كهوية ينبغي عدم الاقتراب منها وبين المنظمة كمؤسسة أثبت الواقع ضرورة اصلاحها.

لكن هناك ما استفز الفلسطينيون مدافعين بشراسة أمام هجوم تعرض له الرجلان الأكثر شهرة في القرن الأخير ومن الواضح أن اسميهما أصبحا جزء من تاريخ سيستمر على المدى ليس القريب فياسر عرفات الزعيم التاريخي هاجمه كتاب أصدره محمد سعيد دلبح بعنوان "فتح ستون عاماً من الخداع" هذا الكتاب بمجموع صفحاته ليس أكثر من مجموعة شتائم متواصلة ضد زعيم الحركة أبو الفلسطينيين وهو ما استدعى كاتباً مثل صقر أبو فخر أن يجهد نفسه للرد بلا لزوم  بمقال مطول جداً على دلبح وهو بغنى عن ذلك فهل يحتاج اسم ياسر عرفات من يدافع عنه؟

وبنفس الوقت تعرض محمود درويش ما يشبه الطعنة من صديقه السوري سليم بركات في مقال ذهب فيه بركات بعيداً في تهمه لم يعد صاحبها حياً ولكن جميعنا يعرف أن درويش الذي أكثر من يعرف أن الأسطورة تأخذ مكيدتها الواقعية ونعرف أن درويش يخلط دوما بين الأسطورة والواقع الا في موضوع أن يكون له ابن وخاطب ولده في أجمل رسائله قائلا "سامحني لأنني لم أنجب لك حفيدا يفعل بي ما فعلت بك ".

هذه الأسماء أغلب الظن أن الدفاع عنها ضد الاتهامات ربما يحط من قدرها فالتاريخ المكتوب والأداء غير العادي لها يجعل ممن يهاجمها في حالة اتهام يحتاج الى أساطيل من الكلام للدفاع عن نفسه وهذا ما حدث مع دلبح الذي ارتكب حماقة التشكيك بالذاكرة الفلسطينية معتقداً أن جيلاً جديداً من الفلسطينيين نسي ياسر عرفات ولا يعرف أنه متربع على عرش الذاكرة وكذلك سليم بركات الذي سقط في مقاله عن محمود درويش ليذهب أبعد قائلاً "أن درويش كان يحاول اخفاء اعجابه ببركات، ما هذا؟

ولنذهب شرقاً كما لدينا فهل يتصور أحد أن الأمة الهندية مثلاً عليها أن تدافع عن أبو الوطنية الهندية موهنداس غاندي؟ أو عن شاعر بحجم رابندارات طاغور؟ سيبدو الأمر نوعاً من السذاجة فلدينا أسماء أكبر من الدفاع وأكبر من القلاع لقد أساء دلبح وبركات لنفسيهما كثيراً وهذا مفهوم .... فقد كره الصحافيون في مصر هيكل لأنه ظله سيطر على الفضاء العام ولم يترك لهم متسع  وهكذا هناك من يكره ياسر عرفات من السياسيين حتى الفلسطينيين لأن لا ظل لهم وكثير من الشعراء ظلمهم درويش حد الانزواء ..!!!