موفق مطر - النجاح الإخباري - "لا نقبل وصاية إسرائيلية على إجراءاتنا، والمطلوب من إسرائيل أن تتركنا وشأننا".  سنقرأ الكلام المهم لرئيس الحكومة الدكتور محمد اشتية الذي كان ردا على توجه سلطات الاحتلال الاسرائيلي بإقرار حالة ضم صحي للضفة الغربية  تحت حجة مواجهة تفشي فايروس الكورونا حسب تقديراتنا ورؤيتنا، فالخطر عظيم وفظيع، يهدد وجودنا واستقلالية قرارنا، ويضعف قدراتنا التي أثبتنا نجاعتها في مواجهة أحدث سلاح دمار و (موت شامل).

نبدأ من حيث أثبت المحتلون المستعمرون المستوطنون العنصريون  قدراتهم الخارقة في تنفيذ عمليات انتحارية نوعية عن بعد، أي دون متفجرات أو أحزمة ناسفة، ذلك أنهم يستخدمون فايروس الكورونا باعتباره أحدث سلاح بيولوجي لا لقاح فعالا له معروفا حتى الآن ولا إمكانية للقضاء عليه إلا بتوقف دوران عجلة الحياة اليومية للمجتمع المستهدف.

يكفي هؤلاء انتقال العدوى إلى عامل فلسطيني، أو مواطن يتنقل ما بين مدن وقرى فلسطين التاريخية والطبيعية، ليصبح هذا الفلسطيني متفجرتهم الانتحارية المتنقلة التي تتفوق بتأثيراتها المباشرة على أي سلاح حتى لو كان قنبلة نووية، وعلينا التذكر بأن القنبلة الذرية التي فجرها الجيش الأميركي على هيروشيما، ومثلها على ناغازاكي لم تدمر اليابان وإنما عم الدمار والموت في المدينتين فقط ، إلى جانب استسلام اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية  لكننا في هذه اللحظات نشهد انكسار دول عظمى وهزائم وضحايا وإصابات في أرجاء الدولة كافة، وعجزا يشمل أركان الدولة في كل نقطة ضمن حدودها  كايطاليا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية.

تفيد التقديرات العقلانية الواقعية أن ما يصيب الفلسطينيين يصيب الاسرائيليين بسبب التداخل  في الجغرافيا والسكان، وهذا منطق سليم، وبناء عليه كان التنسيق مع الجانب الاسرائيلي بهدف حماية العمال الفلسطينيين الذين يعملون في مواقع بناء إسرائيلية، لكن المنهج الانتحاري الذي نتحدث عنه ظهر للعالم جليا عندما رأينا صور ومشاهد  تخلي أرباب عمل اسرائيليين عن عمال فلسطينيين أصيبوا بالفايروس القاتل نتيجة اختلاطهم بمستوطنين مصابين (الوباء منتشر في المستوطنات)  حتى وصل الأمر إلى حد إلقاء عمال فلسطينيين مصابين على قارعة الطريق.

لو اطلعنا على أرقام الإصابات والوفيات بفايروس الكورونا في اسرائيل، وربطناها بمشاهد وصور مستوطنين ومتطرفين أدعياء تدين ومستخدمي الدين في المجتمع الاسرائيلي، ودققنا في سلوكهم الرافض للالتزام بالتعليمات الصحية والأمنية لأدركنا تأصل منهج الانتحار للذات وأخذ الآخرين في جريرة مفاهيمهم المتطرفة التي يمكن تصنيفها تحت بند الإرهاب.

لا يتوقف منهج الانتحار وتدمير الآخر عند حدود معينة، وإنما يتعداها ليبلغ مجتمعاتنا في القرى والمدن الفلسطينية التي لا يوجد في منطق التصنيف قريبة وبعيدة، فالمستوطنات تسيطر على مداخل كل قرية ومدينة وعلى مناطقها الاستراتيجية، وهنا يكمن الخطر الأكبر الذي عبر عنه رئيس الحكومة الدكتور محمد اشتية الذي قال: "إن الثغرة الحقيقية في معركة الفلسطينيين ضد تفشي فيروس كورونا هي الاحتلال ومستوطناته وحواجزه وكل إجراءاته التي تحاول إفشال جهودنا لحماية أبناء شعبنا ووقف تفشي الوباء".

وظفت الحكومة الفلسطينية كل قدراتها البشرية والمادية لإيقاف زحف (المتفجرة الخفية) فايروس الكورونا ومنع تفشيه، وعملت على تطبيق قراراتها بإجراءات صارمة استطاعت خلالها تجميد رقم الاصابات التي كان سببها سواح اجانب في بيت لحم وهذا ما أكده د. اشتية الذي كلفه الرئيس محمود عباس بتنفيذ قرار إعلان حالة الطوارئ عندما قال "منذ اليوم الأول عملنا بمهنية عالية وبإجراءات سريعة لوقف التفشي، إذ نجحنا أولا بالسيطرة بشكل كامل على تفشي المرض في بيت لحم، كما نجحنا بالسيطرة على إمكانيات تفشيه عبر القادمين من السفر من خلال التنسيق الوثيق مع الأردن ومصر وإغلاق الجسور وفحص وحجر القادمين، وهذا ما جعلنا نحافظ على وتيرة إصابات منخفضة".

لكن سلطات الاحتلال الرسمية التي هالها قدرة الحكومة الفلسطينية في إيقاف عداد الإصابات، مقابل فشلها في إيقاف التسارع  المذهل والمرعب في أرقام الاصابات والوفيات لديها، وبسبب تفضيلها دوران عجلة الاقتصاد على حساب سلامة الأرواح البشرية، لذا سارعت لإغراء العمال الفلسطينيين بتسهيلات من نوع الإقامة في أماكن العمل لفترة شهر كامل، الأمر الذي شجع نسبة كبيرة من العمال على الاستجابة، وهذا ما أعرب عنه د.اشتيه بقوله: "إن استمرار تنقل العمّال، بتسهيلات إسرائيلية، بين مدنهم وقراهم وأماكن عملهم سواء داخل الخط الأخضر أو في المستوطنات يشكّل ضربة لكل جهودنا التي اتخذناها بشكل مبكر لوقف انتشار المرض". إلى أن اكتشف بعضهم (العمال الفلسطينيون) أن سلطات الاحتلال وأرباب العمل الاسرائيليين وأشدهم فظاعة في المستوطنات لا تهمهم حياة وروح العامل الفلسطيني بقدر اهتمامهم، أولا بأرباحهم ومكاسبهم المادية المالية، أما بالنسبة للسلطات الرسمية المنسجمة سياساتها مع اليمين والمستوطنين فكان همها الرئيس إبقاء عجلة الاقتصاد دائرة مهما كلف الثمن  الذي اتضح بعد أقل من أسبوع أنه حيوات العمال الفلسطينيين الذين بدأت أعراض الإصابة تظهر عليهم، ما حدا بالدكتور اشتية للقول: "وقال: "إننا نرى في استمرار السماح للعمّال بالتوجه لأماكن عملهم محاولة لحماية الاقتصاد الإسرائيلي على حساب أرواح العمّال، لكن اقتصاد إسرائيل ليس أغلى من أرواح أبنائنا".

 

نقلا عن الحياة الجديدة