طلال عوكل - النجاح الإخباري - عبثاً يمكن إسداء النصائح لمن يتحكمون في مصائب البشر، فلقد حصدت الحروب والأوبئة مئات ملايين الناس على مدار التاريخ، وبالرغم من ذلك، فإن الإنسان يواصل العودة إلى طبيعته. هلع للسلطة وهلع للتملك وأنانية لا يحد منها كثرة وقيمة الخاسرين.

يعرف الكثير من المتسلطين أنهم سيقتلون يوماً أو يموتون لأسباب مرضية أو بحكم العمر، لكنهم يقاتلون حتى الرمق الأخير ويدافعون عن سلطاتهم وكانهم مخلدون.

الرغبة الجامحة في الاستحواذ، وامتصاص دماء الآخرين كل الآخرين وأي آخرين، يشكل عاملاً ودافعاً دائم الحدود عند اأرباب المال المتوحشين. يمر فيروس من مستوى كورونا أكثر أو أقل خطورة يحدث إرباكاً شديداً في كل مكان يصل إليه، ثم ينتهي أمره بغض النظر عن عدد ونوع ضحاياه، لكن رأس المال المتوحش لا ينتهي بل أنه يجد في انتشار بعض الأوبئة والمصائب فرصاً استثمارية لمراكمة المزيد من المال الوسخ.

الطامة الكبرى حين يكون الوباء من صناعة البشر وأي بشر. كورونا ليس من صناعة بشر عاديين، إنه ينتج عن شراكة بين العلماء والباحثين وبين أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين وغالباً عبر شراكة مع أصحاب القرار والنفوذ الباحثين عن الطغيان وإضعاف ونهب ثروات الآخرين. كثرت الروايات والوثائق التي تشير إلى الفاعل الحقيقي وراء نشر فيروس كورونا لكن أحداً لن يعترف وستظل معرفة الفاعل غامضة إلى حين يظهر الطفح السياسي بين مراكز القوة المتنافسة على المستوى الدولي.

غير أن غياب المعطيات الموثوقة والاعترافات الصريحة، لا يغيب أهمية التحليل الموضوعي والمنطقي الذي يستند للمعرفة من خلال الاستدلال على أصحاب المصلحة. حين يجري الحديث عن أصحاب المصلحة لا يمكن استبعاد أن يقدم هؤلاء بعض الخسائر فالعبرة في الخواتيم. وبصراحة فإن الحديث عن أصحاب المصلحة يذهب نحو الأطراف المسؤولة تاريخياً عن إشعال الحروب والفتن الكبرى، وهم الاستعماريون أصحاب رؤوس الأموال، الباحثون عن المزيد من الثروة باعتبارها مصدر القوة وأداة اضطهاد وقمع الفقراء.

لا يمكن للمجتمعات الفقيرة ومحدودة السكان أن تفكر في الطغيان على مجتمعات أخرى، وهي بالجوهر أكثر حرصاً على حقوق مواطنيها في الحياة حتى بمعايير جودة أقل من مستوى جودة حياة الناس في الدول الغنية والمتقدمة.

في المشهد العام تظهر المجتمعات التي تحسب على النامية أو المتخلفة، على أنها الأكثر جدية في مواجهة فيروس الكورونا. المشهد يشير إلى أن هذا الفيروس ينتشر بسرعة شديدة في دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة أساساً بعد أن نجحت الصين في محاصرته ووقف توغله. إنه أداة المقاتلين عن نفوذهم واحتكارتهم للقوة بمعناها الواسع، حتى لو كان على حساب شركاء سابقين صغار. ألم تكن الحروب العالمية الأولى والثانية بين دول رأسمالية، يحاول طرفيها تدمير الآخر والاستحواذ على ثرواته وإزالته من طرق المنافسة؟ تشكو إيطاليا التي يجتاحها الفيروس من أن حلفاءها الأمريكيين والأوروبيين كأنهم تخلوا عنها ويمتنعون عن تقديم يد المساعدة فهل من سيبكي من هؤلاء حين تتحول دولة متقدمة إلى دولة ضعيفة وتغادر نادي الكبار؟

هذه هي سنة الحياة يأكل القوي الضعيف ويذرف دموع التماسيح على جنازته. عند هذه المسألة فإن الطريقة التي تتعامل السلطة الوطنية من خلالها في مواجهة الفيروس تشير إلى إدراك عميق لضرورة حماية الإنسان الفلسطيني، باعتبار ذلك جزء من منظومة تعزيز وجود وصمود الفلسطيني على أرضه. إن حياة الفلسطيني تساوي قيمة التمسك بالأرض والحقوق، ولذلك فإن الجهد الذاتي ينطوي على قيمة عليا، حتى في إطار تأكيد قدرة ونجاعة الفلسطينين في تقرير مصيرهم بأنفسهم. لقد تصرفت السلطة كأفضل ما يكون عليه تصرف الدول المحترمة، ولها نرفع القبعة مع حصرة في القلب لأن الفيروس الذي جعل العالم قرية كونية صغيرة، لم يشكل الدافع لإنهاء ملف الانقسام البغيض. حين لا يقو هذا الخطر على أصحاب الرؤى والمصالح الخاصة بعد أن فشلت السياسات الأمريكية الإسرائيلية في أن يرتقي الجميع إلى المصلحة العليا فمتى يمكن أن ينتهي الانقسام؟.