النجاح الإخباري - لم يحسم الفلسطينيون امرهم بعد في موضوع التسوية التاريخية مع إسرائيل، ولنعترف بان عدم هذا الحسم هو الذي أدى الى عدم الاتفاق على إطلاق استراتيجياتهم السياسية والأمنية، ولذلك فانهم كانوا وما زالوا يعيشون في حالة من الصدام والارتباك، وفي حالة من التناقض أيضا مع برامجهم السياسية واساليبهم النضالية، ففي الوقت الذي اتجه فيه الشعب الفلسطيني نحو خيار حل الدولتين، فانه ظل يرفض اسرائيل كوجود مع استمرار رغبة العمل في مستوطناتها، والعلاج في مستشفياتها، وتفضيل منتوجاتها. وفي الوقت الذي اتجه فيه الشعب الفلسطيني ايضا نحو الاشتراك بالانتفاضة الثانية ،مع تبني كافة اساليبها النضالية ،والتغني  بما انتجته من عمليات نوعية في قلب الاحتلال ،الا  انه سرعان  ما كان يعارض تلك العمليات لما اوجدته من انعكاسات على حياته المادية ،وهذا هو تماما ما ينطبق على حالة التناقض التي يعيشها الفلسطينيون في اختيار من يمثلهم   ، ففي الوقت الذي اغمضوا فيه اعينهم عما قامت به حركة حماس من انقلاب على السلطة  وسيطرتها على قطاع غزة ،فانه لا يتوقف عن مطالبة  هذه السلطة الاستمرار في تقديم خدماتها والوفاء بالتزاماتها، وهذا ما ينطبق الان على لجنة التواصل وما قيل فيها من اراء ،بين معارض لأفعالها وتخوين  لأعضائها ،رغم وضوح أهدافها ،وذلك في الوقت الذي نجد  فيه هؤلاء يؤيدون حركة حماس في اجراء المفاوضات الإنسانية مع إسرائيل  رغم خطورة ابعاد هذه النوعية من المفاوضات ، ولذلك فانه لا بد من القول هنا ،  وبعيدا  عن تلك الآراء  المتناقضة والمواقف المتباينة ،بان على لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي ان لا تتوقف عن اعمالها  ،وان تستمر بهذا التواصل  لأنها الأكثر جرأة في التعبير عما يختلج في كل صدر فلسطيني ،وهي الرغبة بالدولة وبالسلام مع إسرائيل وان تستر بشعارات لا ايمان منه بجدواها ، وهي شعارات المقاومة ومحو إسرائيل عن الوجود.

ما قيل من اراء في اعمال لجنة التواصل ،وما صدر عن اللجنة من بيانات ردا على ما تعرض له أعضاء هذه اللجنة من انتقاد وصل الى  حد التخوين  جعلني اعود بذاكرتي  الى  البدايات الأولى لعودة السلطة وبناء مؤسساتها ،حيث زارني في مكان عملي أحد الأصدقاء  المشهود لهم بالوطنية والحماسة اثناء  الثورة واشتداد معارك الدفاع عنها ،والمشهود لهم بالكفاءة الادارية أيضا اثناء  بناء السلطة وإرساء مؤسساتها بهدف دعوتي  الانضمام الى الهيئة التأسيسية للحركة السياسية التي ينوي إعلانها من اجل التواصل مع قطاعات المجتمع الإسرائيلي بهدف دفعها نحو تعزيز السلام الفلسطيني الإسرائيلي وصولا لتنفيذ الاتفاقات بإنهاء  الاحتلال وإقامة  دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ،الا انني  كنت قد اشترطت عليه ضرورة  الاستماع أولا لبعض القيادات والنخب والاستئناس بآرائهم قبل الشروع  بإجراءات نيل التراخيص اللازمة  لهذه الحركة او انعقاد المؤتمر التأسيسي الأول لها، فكان لقائنا الأول  بالأخ  عباس  زكي مطلع عام  1997،وهو عام العصر الذهبي للسلطة ،وعام النقلة النوعية أيضا في حياة الشعب الفلسطيني من مرحلة الثورة الى مرحلة البناء.

كان عباس زكي في ذلك الحين قد  استحسن الفكرة ووجد فيها الجرأة  التي لا يمكن ان تستمر دون اسناد رسمي من اجل تحقيق اهدافها  ،الا انه وبنفس اللحظة كان قد عارض الإعلان عنها او تنفيذها بذريعة ان لا مصلحة للقيادة الفلسطينية  بإسناد هذه الفكرة  في ظل ما يعانيه شعبنا من انقسام بين معارض لوجود اسرائيل ، وبين مؤيد لمبدأ التسوية التاريخية معها وجوهرها القبول بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل  ،وهذا  ما دفعني الى التوقف عن مواصلة نلك اللقاءات  ،وما دفع القائمون على هذا المشروع  فيما بعد الى  إلغاء الفكرة وخاصة مع انقلاب اليمين الإسرائيلي على خيار السلام واندلاع انتفاضة النفق.

ان الأسباب التي استند عليها الأخ عباس زكي في رفضه لفكرة التواصل مع قطاعات المجتمع الإسرائيلي في حينه هي نفس الاسباب التي دعت قطاعات واسعة من مجتمعنا الفلسطيني الى رفض الاعمال التي تقوم بها لجنة التواصل الان ،وهي ان المجتمع الفلسطيني ما زال يعيش في حالة من التناقض مع استراتيجياته وبرامجه ،وفي حالة من الصدام  مع نفسه أيضا  ،حيث ان هذا التناقض والتردد وعدم حسم الفلسطينيين لخياراتهم  كان قد ساهم باعتقادي  وما زال يساهم في صعود الآراء المتطرفة في الجانب الإسرائيلي ووصول أصحاب تلك الآراء  الى سلطة اتخاذ القرار  في إسرائيل والقيام بعمليات وحروب ترقى الى مستوى جرائم الحرب.

علينا جميعا ان نحسم امرنا ،كما علينا عدم الاستمرار بالتناقض مع انفسنا  ،ولنعترف أيضا  بان عدم هذا الحسم ووجود هذا التناقض في موضوع التسوية التاريخية مع اسرائيل هو الذي أدى الى عدم  الاتفاق على الاستراتيجيات والاختلاف في برامج العمل واليات التطبيق ، وبالتالي الى نجاح حركة حماس فيما اقدمت عليه من انقلاب وسيطرة على  السلطة في غزة ،ولنعترف أيضا بان عدم هذا الحسم نفسه هو الذي ساعد اليمين المتطرف بإسرائيل الى الوصول لسلطة اتخاد القرار والاتجاه نحو انهاء حل الدولتين ،ولذلك  ما علينا الا  ان نقول لأعضاء لجنة التواصل ودون خوف من تخوين ،او خشية من تهديد بقتل ،انه  واياكم والتراجع او التوقف عن التواصل مع المجتمع الإسرائيلي حتى تحقيق هذه اللجنة  لكافة أهدافها، ومنها اقناع  قطاعات المجتمع  الإسرائيلي بان استمرار هذا اليمين في سلطة اتخاذ القرار بإسرائيل سيقود المنطقة حتما نحو المجهول، وبان الحروب والجدار ورفض السلام لن تحقق الامن لاحد ، بل ستجر كامل المنطقة  حتما الى هولوكوست جديدة.