ماجد هديب - النجاح الإخباري - منذ أن تشكل الوعي الوطني الفلسطيني ،فان اغلبية الفلسطينيين كانوا قد ادركوا  بأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو احتلال بإرادة الهية ،حتى وان جاء تمكين هذا  الاحتلال بمساندة دولية ذات بعد استعماري وتواطئ عربي ،كما انهم كانوا قد ادركوا بانه لا يمكن تحرير فلسطين من هذا الاحتلال  دون اجتياز  العرب والمسلمين للاختبار الذي اصطفاهم الله  بان يكونوا عنوانا له تحقيقا لما جاء في وعده لهم  بعد سيل الدم بالوحدة وبالنصر والفتح المبين  ،ولذلك فان غالبية الشعب كانوا  قد امنوا في حينه انه لا يمكن تحرير فلسطين قبل اسقاط كافة الكيانات العربية ،سواء  تلك التي ساهمت بشكل مباشر بتنفيذ وعد بلفور لإعلان الدولة اليهودية ،وحتى  تلك الكيانات التي رهنت مستقبل وجودها بحماية هذه الدولة ومنع أي اعتداء عليها ،ولكن سرعان ما ادرك الفلسطينيون انفسهم  بان عملية اسقاط هذه الكيانات ليست حلا للمشكلة الفلسطينية، ولا حتى هي المدخل الحقيقي لتحقيق الوحدة العربية والإسلامية  قبل التحرير،وانما تفاقما لهذه المشكلة وسببا في زيادة التشرذم والانقسام  العربي الاسلامي،لان التناقض الأساس بجب  ان يبقى مع الاحتلال من اجل الخلاص منه  ،وهذا ما تنبهت اليه حركة فتح التي اثبتت ومنذ بداية انطلاقتها  ،ومن خلال ما طرحته  أيضا من برامج انها صمام الأمان لقضيتنا، لأنها الأكثر فهما لطبيعة الصراع العربي الصهيوني ،والأكثر قدرة أيضا في اختراق السياسة العربية والدولية لتحقيق امال وتطلعات شعبنا بالتحرر والاستقلال بعيدا  عن الاستراتيجيات الثابتة  التي هي  بمثابة قيد من حديد على ممارسة حقنا الثوري في المناورة والتكتيك وصولا الى إقامة الدولة ، ولكن ان تصبح اللاءات الفلسطينية المطروحة في الآونة الاخيرة  بمثابة العودة لتلك الاستراتيجيات الثابتة فان في تلك العودة  تجديد لوضع  هذا القيد  ،ليس على ممارسة حقنا في المناورة فقط، وانما على رقابنا أيضا ،ولذلك علينا ان نكون اكثر جرأة في الإجابة على الكثير من التساؤلات لمواجهة التحديات المفروضة ،وفي المقدمة منها  ما هو الذي  يمكن لنا تحقيقه  من كافة  اللاءات التي لا  فعل مساند لها ولا حتى عوامل مساعدة للثبات عليها  ،ومنها "اللاء " الاخيرة "لا انتخابات دون اجرائها بالقدس " ؟،والي اين نحن نسير أيضا في ظل مواقفنا المتصلبة والتمسك بتلك اللاءات دون محاولة  العمل على اختراقها ؟.

باعتقادي ان اللاءات الفلسطينية المطروحة الان دون فعل مساند لها ودون العمل أيضا على تحقيق عوامل مساعدة لإنجاحها هي بمثابة قيد الحديد على ممارسة حقنا الثوري في المناورة والتكتيك ،وهذا ما تدفعنا اليه  إسرائيل الان من اجل الوصول الى مرحلة تستطيع من خلالها احكام هذا القيد على رقابنا ،وذلك لإدراكها  بعد توقيع اتفاقية أوسلو بان خروج الفلسطينيين  من دائرة تلك اللاءات هي اختراق لعلاقات إسرائيل مع دول العالم وقرارات الشرعية ،وهي اضعاف أيضا للكيانات العربية الوظيفية واحراج لها  ،كما ان نجاح الفلسطينيين في اختراق تلك اللاءات هو   نجاح لهم في تحقيق اعلان دولتهم وفقا لقرارات الشرعية الدولية وليس وفقا لما تطرحه عليهم  إسرائيل من حلول .

علينا هنا  وبشكل جدي  ان نفكر وبصوت عال للخروج من دائرة تلك التساؤلات للبحث عن حقيقة اذا ما كانت تلك اللاءات هي حقا جاءت لرفض الباطل بإجراءات عملية وعوامل ضاغطة ومساندة  لتثبيت حق هو لنا ،ام ان تلك اللاءات هي  كلمات حق  ولكن قد يكون التمسك بها دون إجراءات عملية هي بمثابة المدخل الامن لإسرائيل من اجل ترسيخ إجراءاتها ، ليس في تهويد القدس فقط ،وانما في تهويد  كل فلسطين   ، فما  هو الذي جناه الفلسطينيون مثلا  من "لا  مفاوضات في ظل الاستيطان "،وذلك في الوقت الذي استطاع فيه الاحتلال زيادة عدد المستوطنات بوتيرة متسارعة حتى على تلك الأراضي التي اصبح  للسلطة ولاية عليها  وفقا لاتفاقية أوسلو ؟ ،وما هو الذي جناه الشعب الفلسطيني أيضا من "لا  حوار مع حركة حماس في ظل استمرار انقلابها وسيطرتها على غزة "في الوقت الذي استطاعت فيه  حركة حماس ترسيخ هذا الانقلاب والوصول فيه الى مرحلة الانفصال  في ظل ما تنهجه تلك الحركة من سياسات لا تتوافق مع امال شعبنا ،ولا حتى مع طبيعة الصراع ،فلماذا اذا ورغم انعكاسات  كل تلك اللاءات على الشعب والقضية ان نعيد طرح  " لا انتخابات دون اجرائها بالقدس" ، فهل يمكن لنا  ومن خلال طرح هذه  "اللا " والتمسك بها  العمل على بسط سيادة السلطة على القدس ؟،ام ان هذه "اللا " والغير مدعومة باستراتيجيات وبرامج ستزيد من معاناة الفلسطينيين ،بل وستسهم أيضا  في زيادة الانحدار بقضيتنا واخلاقنا نحو الهاوية ،وذلك في الوقت الذي يستطيع فيه الاحتلال الإسرائيلي ومن خلال تمسكنا بإطلاقها الصعود  نحو تحقيق ما نادت به الحركة الصهيونية بعد ان كدنا نطيح بأحلام تلك الحركة التوسعية؟.

باعتقادي بـأن  ما تطرحه القيادة  الفلسطينية الان  من "لا انتخابات دون القدس "كشعار للمرحلة دون إجراءات ضاغطة وعوامل اسناد لتثبيت هذا الشعار  وصولا الى تحقيق ما نتطلع اليه ،  ليس هو بمثابة تعطيل للعملية الديمقراطية فقط ،بل هو  المدخل الامن الذي يستطيع الاحتلال من خلاله تهويد القدس في ظل ما يتهدد  النظام السياسي  الفلسطيني من اخطار ،حيث انه لا تعزيز لهذا النظام او ترسيخ لقواعد وجوده  ،ولا حتى تحقيق الوحدة لنا او عودة للوئام  فيما بيننا دون  اجراء تلك الانتخابات  ،لان الانتخابات وحدها هي من تعيد لنا الوحدة والوئام، وهي من تدعم  أيضا استراتيجية مواجهة الانفصال وتعمل أيضا على ترسيخ معالم الدولة  وفرض الاعتراف بها ،فهل  يمكن لنا مثلا  بسط سيادتنا  على القدس وتأكيد ولايتنا عليها  لمجرد القول  " لا انتخابات دون اجرائها بالقدس" ؟، وهل فعلا  ان  إصدار مرسوم الانتخابات مع محاولة امتداد هذه الانتخابات لشوارع القدس رغما عن الاحتلال  ودون موافقة منه  يعد تنازلا عن تلك السيادة والولاية ؟.

حتى لا تصبح  'اللاءات' الفلسطينية، تماما  كما هي لاءات اللجنة العربية  العليا بقيادة الحاج امين الحسيني ،وكما هي لاءات الخرطوم الثلاث (لا مفاوضات، لا صلح، لا اعتراف) فما  علينا  الا ان نعمل على طرح برامج واليات عمل لتنفيذ ما جاء في تلك البرامج من خطط من اجل اختراق تلك اللاءات الفلسطينية المطروحة  بشكل لا يجعلنا في مرحلة  من الانحدار والانزلاق نحو الهاوية ، فاذا ما كانت تلك  اللاءات  التي  اطلقتها اللجنة العربية  العليا  بقيادة الحاج امين الحسيني  ومن بينها "لا  للجان التحقيق الدولية  و لا "لمشروع دستور  فلسطين عام 1922"  ،وكذلك "لا لمشروع التقسيم "هي من دفعت الدول الاستعمارية الى سرعة اعلان دولة يهودية  على ارض فلسطين بعد ان كانت تلك الدول تسعى لنيل  الاعتراف باليهود فيها كأقلية ، واذا ما كانت " لا مفاوضات في ظل الاستيطان "قد  ساندت استراتيجية الدولة الصهيونية في ابتلاع الأراضي لإقامة المستوطنات عليها ،فان   شعار "لا انتخابات دون القدس "سيدفع  بنا  هو الاخر نحو هاوية لا صعود منها  ،فكما تم انهاء  تجربة  حكومة عموم فلسطين  بفعل تلك اللاءات وعدم محاولة اختراقها  فانه سيتم العمل على انهاء مشروع السلطة الوطنية أيضا ، فهل سنتمسك  بشعار  "لا انتخابات دون القدس"  مع عدم العمل على اصدار مرسوم الانتخابات لتنتهي السلطة وينتهي معها كل ما تم تحقيقه من معالم للدولة الفلسطينية كما انتهت تجربة حكومة عموم فلسطين ، ام ان الواجب الوطني يقتضي منا ان نعمل على اختراق تلك اللاءات التي في اطلاقها  دون  فعل مساند لها ولا حتى عوامل مساعدة للثبات عليها هي مصلحة للاحتلال وتحقيق لأحلامه؟.