ماجد هديب - النجاح الإخباري - منذ أن أعلن الرئيس العراقي المغدور صدام حسين رسميا بأن الشعب العراقي باتجاه بناء العراق الحديث  بعيدا عن الهيمنة الاستعمارية  أو التبعية لأحد أقطابها تنفيذا لما كان قد نادى بأهمية وجوده عندما كان نائبا لرئيس جمهورية العراق في كتابه  الصادر عام 1969 "استقلالية القرار" ،فان العراق ومنذ ذلك الحين لم يخرج من  دائرة الاستهداف الاستعماري ،ولذلك كان قد مر بعواصف شديدة ومتعددة في الغايات والوسائل والاهداف الى ان نجحت الإدارة الامريكية في احتلاله وانهاء كافة مقدراته وقدراته ،حيث أصبح العراق ومنذ عام 2003 مستباحا امنيا ،وعسكريا ،واقتصاديا ،بل وحتى دينيا ، فإلى اين يتجه العراق الان في ظل اشتداد الصراع فيه داخل أقطاب السلطة العراقية نفسها لتعدد الولاء والانتماء فيها، وفي ظل الانقسام بالمواقف أيضا ما بين مؤيد للولايات المتحدة الامريكية وضرورة وجودها للحفاظ  على مصالحها بعيدا عن الارتهان للجمهورية الإيرانية  ،وما بين مؤيد لامتداد النفوذ الإيراني ومعارضا لاستمرار التواجد الامريكي ،وذلك في الوقت الذي تشهد فيه ساحات العراق وميادينها احداث ومواجهات مع بين الشعب والسلطة  بذريعة الفساد ورفض التدخل الأجنبي؟.

لا بد من القول هنا أن ما يمر به العراق الان من أحداث هي أصعب بكثير مما كانت عليه تلك الاحداث مع بداية العدوان الغربي عليه قبل الاحتلال وفي أعقابه، ففي ذلك الحين كانت إيران قد مهدت لإسقاط نظام صدام حسين بشكل مباشر منها وبشكل غير مباشر ايضا، وذلك من خلال من يواليها من شيعة الشعب العراقي، حيث كان هؤلاء قد استقبلوا قوات التحالف الغربي المعادية بالورود، بل وكانوا سببا رئيسيا أيضا في تفكك الجيش العراقي واندحاره عن كثير من المناطق العراقية حتى قبل ان يبدأ القصف الامريكي لها والعدوان الغربي عليها.

كما انه لا بد من القول أيضا ان من استقبل تلك القوات بالورود في ذلك الحين ،بل وكان سببا رئيسيا في احتلال العراق قد بدأ ومنذ سنوات بتنظيم نفسه ،ليس من اجل التبعية لإيران وتحقيق امن مصالحها في العراق فقط ، بل ومن أجل تحقيق امن تلك المصالح في دول المنطقة وخاصة دول الجوار منها ،وذلك  في ظل اشتداد الصراع على النفوذ والاطماع ما بين ايران والإدارة الامريكية ، ولذلك فان الإدارة الامريكية ،ومنذ ما يسمى ثورات الربيع العربي ،قد بدأت بالتعامل مع الميليشيات الشيعية الموالية لإيران باستراتيجية الاضعاف والانهاك وصولا للإنهاء عبر مراحل متصلة ومتلاحقة ،وبان  المرحلة الأخيرة في تلك الاستراتيجية وفقا لاستقرائنا للأحداث والوقائع هي مرحلة كسر العظم ، وليس في حالة استمرار لمرحلة عض الأصابع التي تجاوزتها الاحداث لحظة اغتيال المنسق العام لأذرع ايران بالمنطقة والقائد العام لها وهو الجنرال قاسم سليماني  الذي كان يعمل ومن خلال قوات  الحشد الشعبي  العراقي  تمهيدا لأنهاء الوجود الأمريكي بالعراق  ،ليس مقاومة منه ،بل مساومة يستطيع من خلالها تعزيز  النفوذ الإيراني بالمنطقة .

كانت الادارة الامريكية والاسرائيلية وقبل اغتيال قاسم سليماني قد بدأت بالتعامل مع أذرع إيران بالمنطقة عبر ثلاثة مراحل، حيث بدأت المرحلة الاولى بضرب السلاح الإيراني المؤثر الذي كان يدخل لميليشياتها في العراق وسوريا، فيما كانت المرحلة الثانية لتدمير كافة المواقع ومستودعات الاسلحة الخاصة بأذرع إيران على الحدود الإسرائيلية السورية من خلال سلاح الجو الإسرائيلي ،حيث ازداد نشاط قوات الاحتلال الإسرائيلية بضرب تلك المواقع والاهداف بالفترة التي اوشكت فيها قوات الحشد الشعبي على الخلاص من قوات داعش نهائيا ،وذلك بعد ان استنفذ كامل المخطط الذي اقتضى مع تنفيذه وجود قوات داعش.

ان ما تمر به المنطقة الان من أحداث وصراع وتهديد واغتيال هي بمثابة نهاية المرحلة الثالثة من الاستراتيجية الامريكية في التعامل مع الجمهورية الإيرانية الإسلامية واذرعها بالمنطقة ،وان المرحلة القادمة وهي المرحلة الرابعة من استراتيجية الاضعاف والانهاك والانهاء هي مرحلة الخلاص من كافة قيادات أذرع ايران بالمنطقة وخاصة ما يتعلق منها بالذراع العراقي ،حيث ان مرحلة تصفية هؤلاء القادة ليست ببعيدة ،لان قرار تصفية كل من  حسن نصر الله ،الحوثي والعلمي  قد صدر باعتقادي منذ اغتيال نائب رئيس قوات الحشد الشعبي العراقي الذي كان برفقة قاسم سليماني ،حيث كان يمكن للإدارة الامريكية اغتيال قاسم  سليماني في سوريا التي لا اعتراف بالنظام الحاكم فيها ،وليس بالعراق ،فهل سيكون العراق مقبرة للمخططات الامريكية الإيرانية ،وهل يمكن للشعب العراقي الذي ما زال في حالة من الحراك في الساحات والميادين تحقيق العدل له والحرية الكاملة  والاستقلال التام للعراق، ام ان العراق باتجاه الخضوع التام للهيمنة الامريكية الإيرانية الكاملة بعد الاتفاق فيما بينهما وتنسيق المصالح؟.

باعتقادي ان العراق أمام منعطف صعب وخطير، فهو إما باتجاه الحرية والسيادة الكاملة، وإما باتجاه الخضوع الكامل للهيمنة الامريكية الإيرانية الامريكية بعد الاتفاق فيما بينهما على تقسيم النفوذ فيه وإدارة الصراع، ولكن يبقى ذلك عرضة لتأثير نوعية الرد القادم من إيران او من أذرعها على اغتيال قاسم سليماني ومن معه من قادة الحشد الشعبي. لننتظر، فالأيام والساعات القادمة حبلى بالمفاجئات وان بدأت معالم سيل الدم بالظهور لرسم طريق العراق.