عبد الناصر النجار - النجاح الإخباري - بين ٣٠ آذار ٢٠١٨ (ذكرى يوم الأرض) و٣٠ آذار ٢٠٢٠ ستكون مسيرات العودة قد دخلت التاريخ الفلسطيني كشكل نضالي جماهيري، فيه كثير من الإبداع وعليه كثير من التساؤلات التي لم تجد إجابةً، لأن الإجابة هي من تمتلك مفتاح هذه المسيرات.
في ٣٠ آذار ٢٠١٨ هبت جماهير القطاع متوجهة إلى الحدود بمسيرات ضخمة، كان الهدف منها وصول اللاجئين إلى قراهم ومدنهم المهجرة. حينها حدثت حالة من الإرباك سواء على مستوى قيادة الاحتلال أو حتى على المستوى الداخلي. وهذا ليس بجديد، فكل محطات النضال الفلسطيني مرت بهذه التجربة، إرباك للمحتل والمستعمر ولكن مع إثارة الفخر والدهشة بشكل نضالي مبدع، ابتداء من ثورة العام ١٩٣٦ وليس انتهاء بمسيرات العودة التي عبّرت في حقيقة الأمر عن مقاومة شعبية حقيقية، مقاومة واجهت الاحتلال وأربكته، وجعلته في كثير من الأحيان يطلب وساطات إقليمية ودولية لإيجاد حل لهذه المقاومة غير المتوقعة سواء بحجمها أو استمراريتها بشكل أسبوعي، أو نوعية المشاركين فيها.
محاولات الاحتلال قمع المسيرات تنوعت، حتى لجأ إلى استخدام قوته المطلقة، مما دعا منظمات حقوقية وأممية إلى اتهام قوات الاحتلال بارتكاب جرائم حرب بحق مدنيين عزّل. وما زالت أحداث ١٥/٥/٢٠١٨ ماثلة بمشهدها المأساوي عندما استشهد أكثر من ٧٠ مواطناً وأصيب المئات برصاص قناصة الاحتلال، ومع ذلك لم تتوقف المسيرات.
خلال الأشهر الماضية بدأنا نسمع وشوشات حول إعادة تقييم المسيرات، ماذا حققت، وماذا لم تحقق؟ ما لها وما عليها؟! بمعنى آخر البحث عن ميزان الخسارة والربح.
عملياً مسيرات العودة منذ الأشهر الأولى بدأت تظهر سيطرة حماس عليها.. وأصبحت اللعبة السياسية أكثر وضوحاً.. وأول ما تنازلت عنه المسيرات هو وقف إطلاق البالونات الحارقة والطائرات الورقية التي تسببت بخسائر فادحة للمستوطنين والتهمت عشرات آلاف الدونمات الزراعية ووصول الجانب الإسرائيلي إلى قناعة واضحة بأنه لا يمكن وقف هذه الظاهرة إلا بتفاهمات مع حماس بشكل مباشر أو غير مباشر.
الطعم الذي قدمه الاحتلال كان تخفيف الحصار الاقتصادي، لكي يعطي قليلاً من الهواء للمختنقين بالاعتداءات الإسرائيلية.. وهنا تدخل المال القطري الذي أدخل الحقائب ووزع النقود.
ثم بدأ يلاحظ أنه كلما اقترب دخول الحقائب كانت المواجهات تخف عملياً، وحتى عدد الشهداء والمصابين يكون أقل.. ثم بدأ الحديث بعد ذلك عن الهدنة الطويلة وهنا بيت القصيد أو كلمة السر.
الهدنة الطويلة الأمد أو غير المحددة بزمن ومطالب «حماس» المقابلة من أجل أن تتحقق الهدنة.
دعونا نقول إن مسيرات العودة كانت تقررها الهيئة العليا لمسيرات العودة التي كانت تضم مختلف الفصائل الفلسطينية بما فيها التي يعد أعضاؤها بعدد أصابع اليد إلى جانب حركتي فتح وحماس ثم الجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية والديمقراطية، علماً أن «فتح» توقفت عن المشاركة في الاجتماعات منذ أشهر. يضاف إلى الفصائل منظمات المجتمع المدني والنقابات وغيرها، ولكن حقيقة الأمر أنه في الأشهر الأخيرة كان القرار يتم من خلال اجتماع «الأربعة الكبار» وهذا المصطلح يطلق على حماس والجهاد والشعبية والديمقراطية، حيث كان يتخذ القرار، وفي اليوم التالي تجتمع الهيئة بمن هب ودب ثم تطرح القرارات للمصادقة عليها أو البصم عليها، ولكن العارفين بالأمر يؤكدون أن القرار بالأصل كان وما زال حمساوياً بامتياز.
ستتوقف المسيرات بعد أن قدمت على مذبحها مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمعوقين ولكن الهمس في الشارع وعند أصحاب الرأي يبحث في الأسباب الحقيقية. مع أن هناك أسباباً ظاهرية مقنعة منها إعادة التنظيم في ظل انخفاض حاد في عدد المشاركين، رغم النداءات المتكررة للجماهير بالمشاركة. ومنها أن الهيئة في المسيرات الأخيرة كانت تطالب بالابتعاد قدر الإمكان عن الحدود لكيلا تمنح الاحتلال مبرراً للقتل والإصابة، وأن المسيرات لم تحقق الهدف المطلوب والمعلن عنه في البدايات، وأنه لا بد من إعادة التنظيم والتفعيل لكي نجني سياسياً.
الرأي الآخر يرى أن ما يجري هو الذي يطبخ في الفرن المغلق، ويتمثل في صفقة شاملة بين حماس والاحتلال بوساطة أطراف إقليمية وعربية تقوم على تقنين مسيرات العودة لتصبح شهرية أو ربما في المناسبات الوطنية، وبشكل يبتعد عن المواجهة الحدودية مقابل ذلك تحصل حماس على:
أولاً: تجديد المنحة القطرية لمدة ٦ أشهر على الأقل بعد أن قاربت على الانتهاء.
ثانياً: الإسراع في مباحثات تبادل الأسرى وأن تكون عميقة وجدية.
ثالثاً: وعود بتحويل معبر رفح إلى أن يكون أيضاً معبراً تجارياً إضافة إلى عمله الحالي، والسماح بالاستيراد والتصدير إلى الخارج مباشرة عن طريق مصر، وخاصة منتجات القطاع الزراعية.
رابعاً: تخفيف الحصار البري والبحري المفروض على القطاع وتقديم مساعدات من دول مانحة للحد من البطالة والفقر.
هذه هي الصفقة الشاملة التي يتم الحديث عنها ولعل زيارة السيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إلى الخارج تأتي في هذا الإطار. من هنا وحتى ذكرى يوم الأرض القادمة إما أن تكون الصفقة قد بانت بشكل واضح أو ستعود مسيرات العودة إذا ما شعرت حماس أنها لم تتمكن من تحقيق شيء من هذه الصفقة؟!!

 

نقلا عن صحيفة الأيام