طلال عوكل - النجاح الإخباري - ليس من السهل على زعيم اسرائيلي بمواصفات بنيامين نتنياهو،  ان يعترف و يعلن على الملأ، ان يوم الجمعة العشرين من ديسمبر2019، يوما اسودا في تاريخ الدولة العبرية. لم يفقد نتنياهو توازنه، فهو يعترف بحقيقة تلحق بإسرائيل و سمعتها و مكانتها اذى كبيرا، حتى قبل ان تبدأ المحكمة الجنائية الدولية مباشرة تحقيقاتها.

 دولة فلسطين حقيقة واقعة لا ترقى اليها الشكوك، و اسرائيل ارتكبت جرائم حرب تستدعي جرها الى تحقيقات محترفة، هذا ما فعلته حتى الان المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا.

 لا شك ان لدى المحكمة فريق متخصص من القضاة و المحامين و الاداريين، لكن بضعة كلمات صدرت عن بنسودا القاضية الافريقية، تحدث زلزالا في اسرائيل، وتحشر في الزاوية الحرجة الدولة التي تتبجح بقوتها و تفوقها، على كل من يحيط بها. تجيد اسرائيل مراكمة المزيد من ادوات البطش و العدوان، و القدرات التدميرية، لكنها  كدولة استعمارية عنصرية و مشروع استيطاني لا تستطيع بناء منظومة قياميه تحمي تلك القوة الغاشمة.

يتلوى زعماء اسرائيل السياسيين و العسكريين على حد سواء دون ان يعرفوا ماذا عليهم ان يفعلوا ازاء اعلان المدعية العامة، فهم لا يجيدون سوى اطلاق التهديدات و اعلانات الرفض.

من يستطيع او يملك الحق في ان يوجه للمحكمة و قضاتها تهمة معاداة السامية، لمجرد انها نطقت بكلمة حق لإنصاف الضحايا الذين تعرضوا و يتعرضون لطغيان القوة الاسرائيلية الغاشمة.؟ صحيح ان اسرائيل رفضت الانضمام لميثاق روما و معها الولايات المتحدة، لانهما اكثر دولتين على وجه الارض تخشيان العدالة الدولية و ترفضانها، و تتصرفان باعتبارهما فوق كل القوانين و القيم و فوق كل منصات العدالة الدولية.

لم تكن اسرائيل لتصف هذه  المحكمة على انها هيئة سياسية معادية، لو انها لم تمس دولة الاحتلال، و لكن ما ان وقعى ذلك فان الهيئة بمدعيتها العامة و قضاتها و ميثاقها ستتعرض لمعركة شرسة يخوضها الحلف الامريكي الاسرائيلي. يعجل ترامب الذي يضع نفسه في مقام زعيم صهيوني في اطلاق تهديدات جدية للقضاة، ان هم واصلوا العمل على طريق اجراء تحقيقات مع مسؤولين اسرائيليين، بينما تستنفر الخارجية الاسرائيلية كل سفرائها و طواقمها في الخارج للعمل على احباط مساعي المدعية العامة للمحكمة.

من المؤكد ان السياسة الاسرائيلية لن تقف عن حدود الرفض النظري و التعبير عن الغضب لقرار المدعية العامة، فمن غير المستبعد ان تتعرض القاضية و فريقها الى ضغوطات شديدة. في تاريخ الحركة الصهيونية قامت الجماعات الارهابية التي بنت الدولة باغتيال عديد المسؤولين الدوليين.

 ابناء و احفاد الجماعات الارهابية ليسوا اقل تطرفا و استعدادا لممارسة الارهاب من الاباء و الاجداد، الامر الذي تعترف بنسودا انه يظهر على جلد الشعب الفلسطيني و ارضه و حقوقه التي تعترف بها و تقرها الجماعة الدولية.

كثيرون اولئك الذين شككوا في مدى اهمية القرار الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام2012، و تم بموجبه تعديل مكانة فلسطين الى عضو مراقب، و بعضهم مارس النفاق المكشوف جهارا نهارا. مع قرار المدعية العامة، يترتب على هؤلاء الاعتراف بان الانجاز الذي تحقق من خلال المحكمة الجنائية، ما كان له ان يتحقق، لولا انه تأسس على الانجاز الذي يتعلق بمكانة دولة فلسطين في المنظمة الاممية. اذا كانت اسرائيل ستجرد كل اسلحتها لإحباط مساعي المحكمة الجنائية، التي تحتاج الى وقت لفحص مدى انطباق صلاحياتها على اسرائيل، فان على الفلسطينيين كل الفلسطينيين ان يتجندوا لخوض هذه المعركة الشرسة و الطويلة بدون تردد و بتحضير كل الادوات اللازمة لكسبها.

لقد استنفذ الحلف الامريكي الاسرائيلي كل امكانياته في الضغط على الفلسطينيين، بما في ذلك مصادرة بعضا من اهم حقوقهم، فضلا عن ارضهم و لذلك لم يعد امامهم سوى مواصلة السياسة الحازمة و الجماعية، التي اتخذها الكل الفلسطيني في وجه القرارات و السياسات الامريكية الاسرائيلية، سواء كان عنوانها صفقة القرن ام غير ذلك.