غزة - النجاح الإخباري - لم تكن تتوقع حكومة الاحتلال الاسرائيلية أن تصل حالة الاشتباك السياسي إلى منصات المنظمات الدولية وخصوصا، محكمة الجنايات الدولية، التي لا تتأثر بالفيتو الأميركي ولا بالتهديد الدولي، مما وضعها في حالة من التخبط ومحاولة اطلاق التصريحات التي لا قيمة لها سوى الإستهلاك الاعلامي، ففي الوقت التي تستند فيه القيادة الفلسطينية إلى ملفات عكفت على تجميعها خلال عقود من الزمن لمحاسبة الاحتلال على جرائمه التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني، يعيش قادة الاحتلال أصعب ظروف، ويناجون حلفائهم وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية "العاجزة" أمام القرار القضائي التي سيدين "اسرائيل" بلا شك ويحاسبها على ما ارتكبته من جرائم.

ومتابعة للتصريحات الاسرائيلية المتعاقبة حول امكانية منع دخول المحققين الدولين إلى الأراضي الفلسطينية وعدم التعامل "اسرائيليًا" معهم يرى الكاتب والمحلل السياسي المختص في الشأن الإسرائيلي، د. هشام أبو هاشم، أن دولة الاحتلال لا يمكنها الوقوف في وجه قرار المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية، فاتو بنسودا، التي أمرت بفتح تحقيق في جرائم الاحتلال في الاراضي الفلسطينية المحتلة، لعدة أسباب أهمها، أن فلسطين عضو في المحكمة وهي من تقدمت بالطلب، وهي من وقع عليها الضرر والاعتداء وارتكب بحقها وبحق شعبها الجرائم والإبادة، ومصادرة الأراضي وتهويد مقدساتها، وتعرضت أراضيها لفصل عنصري، ونهبت ثرواتها.

وذكرت صحيفة إسرائيل اليوم العبرية (22/12) أن حكومة الاحتلال تدرس عدة خيارات بشأن التعامل مع قرار المدعية العامة حول جرائم حرب ارتكبت بحق الفلسطينيين، ومن بينها منع محققي المحكمة من الوصول إلى المناطق والجهات المعنية خاصةً داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأوضح أبو هاشم، في تحليله لـ"النجاح الإخباري" أن ما يزعمه الاحتلال بمنع المحققين من الوصول إلى المناطق والجهات المعينة خاصة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، يضع "اسرائيل" في عزلة دولية ودخول في نفق مظلم، مشيرًا إلى أن محكمة الجنايات الدولية أنشأت بموجب اتفاقية روما، وانضم إليها أكثر من مائة دولة، ستكون ملزمة لهذه الدول باعتقال مجرمي الحرب الاسرائيليين، وبالتالي لا يستطيعون السفر إليها أو المرور عبرها، الأمر الذي يضعهم في حصار ويقطع عليهم سبل التواصل مع العالم الآخر.

وأشار إلى أن حكومة الإحتلال تعكف حاليًا على دراسة ملف الجنايات الدولية، وأوكلته إلى مجلسها الوزاري المصغر "الكابينيت" من أجل محاولتها البحث عن مخرج، منوهًا إلى أن ما يزعمه قادة الاحتلال حول الملف وما صدر عنهم من تصريحات لم تعد مجدية بالتعامل مع الواقع، وأنهم أمام واقع أليم وخطوة جديدة في الاشتباك السياسي، بعيدًا عن المنصات الأخرى التي كانت الولايات المتحدة تنصفهم بها باستخدام حق "الفيتو".

وأكد أبو هاشم على أن استخدام دولة الاحتلال والمناورة بملفات أخرى، كـ"اطلاق الصواريخ من غزة، والعمليات العسكرية، وما شابه"، لن ينقذها من حجم الجرائم التي ارتكبتها والإبادات بحق الشعب الفلسطيني، ولن تكون طوق النجاة لها، من تقديم قادتها لمحكمة الجنايات الدولية.

وأعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أن الولايات المتحدة، تعارض "بحزم"، فتح المحكمة الجنائية الدولية لتحقيق في جرائم حرب إسرائيلية، وقال، "نحن نعارض بحزم هذا الأمر، وأي عمل آخر يسعى لاستهداف إسرائيل بطريقة غير منصفة"، وأضاف: "لا نعتقد أن الفلسطينيين مؤهلين كدولة ذات سيادة، ولهذا هم ليسوا مؤهلين للحصول على عضوية كاملة أو المشاركة كدولة في المنظمات أو الكيانات أو المؤتمرات الدولية، بما فيها محكمة الجنائية الدولية".

وأدّت خطوة من مدعي عام المحكمة؛ لفتح تحقيق كامل بشأن جرائم حرب، ارتكبت في المناطق الفلسطينية إلى رد فعل غاضب من  إسرائيل، ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو.

وقالت مصادر إعلامية عبرية، إن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بعث رسالة إلى زعماء العام يندد فيها بقرار النيابة العامة لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي. وقال نتنياهو في الرسالة: "هذا يوم أسود للحقيقة والعدالة، تحويل المحكمة الدولية إلى سلاح سياسي في الحرب ضد (إسرائيل)". وأضاف: "لا صلاحية للمحكمة الدولية في هذا الأمر.، هناك سلطة للمناقشة ليس فقط أن الحديث يدور عن دعاوى مقدمة من قبل دول ذات سيادة، ولا يوجد دولة فلسطينية". وأضاف: "قرار المدعية العامة في لاهاي يحول المحكمة الجنائية إلى سلاح سياسي في الحرب لنزع الشرعية ضد (إسرائيل)، المدعية تجاهلت تمامًا التفسيرات القضائية الجدية التي عرضناها أمامها ".

وفي عام 2012: قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة رفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقب في الأمم المتحدة، وقد أيدت 138 دولة ذلك، وعارضته تسع دول، وامتنعت 41 دولة، بينما في 2015: أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا طالب الأمين العام للمنظمة الدولية برفع العلم الفلسطيني فوق مقر الأمم المتحدة في نيويورك، إلى جانب باقي دول العالم، وعددها 193 دولة عضوة في الأمم المتحدة، وفي 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2015: طالبت الأغلبية الساحقة من الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة إسرائيل بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية.

بدوره، أعرب المستشار القضائي لحكومة الاحتلال في بيان له، عن معارضته الشديدة لقرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية. وزعم بأن "(إسرائيل) دولة قانون ديمقراطية وملتزمة وتحترم القانون الدولي والقيم الإنسانية، وهذا الالتزام متجذر في قيم وطابع الدولة، ويضمنه النظام القضائي"، وأشار: "لا يوجد مجال للتدخل القضائي الدولي في هذا الموقف، من جانب المحكمة كان يجب عليها أن تتعامل مع الفظائع القاسية في أخطر الأمكنة التي انهار بها النظام القضائي"، واستطرد: "المحكمة لم تتعمق في مسودة الرأي التي قدمت إزاء القضية وقامت باتخاذ قرارها بتسرع".

 أما  وزير المواصلات في حكومة الاحتلال، النائب بتسلئيل سموتريتش طالب في رده على قرار المحكمة الجنائية نتنياهو "بتدمير السلطة الفلسطينية، لأنها تسبب لنا الكثير من الضرر السياسي"، وقال عبر تغريدة في تويتر: "الفوائد الكامنة في وجود السلطة الفلسطينية بالنسبة لدولة (إسرائيل) منذ فترة طويلة لا تساوي الضرر السياسي الكبير الذي تسببه لنا"، وتوجه إلى نتنياهو وقال: "قم بهدم الخان الأحمر وكل يوم قم بتدمير موقعًا غير قانوني للعرب والأوروبيين. استرد ثمنًا باهظًا من جميع الأطراف. في العام القادم سيكون لك دعم أمريكي وهذا أمر كاف". أما رئيس "أزرق أبيض"، بيني غانتس، فرد على البيان الصادر من ممثلة المحكمة الدولية الجنائية في لاهاي بـ "أن هناك أسباب لادعاءات بارتكاب جرائم حرب بالأراضي الفلسطينية"، وتابع: " هذا قرار سياسي وليس قضائي".

وكانت فاتو بنسودا، المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، قد أعلنت يوم الجمعة، أنها تعتزم إجراء تحقيق كامل في جرائم الحرب الإسرائيلية المرتكبة في الأراضي الفلسطينية.

وذكرت أن هذا القرار جاء نتيجة لطلب من فلسطين. لكنها أشارت إلى أن التحقيق لن يبدأ إلا بعد أن تحدد الدائرة التمهيدية، بناء على المادة 19 (3) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الإقليم الذي يمكن إجراء هذا التحقيق بشأنه، "بالنظر إلى القضايا القانونية والواقعية الفريدة والمثيرة للجدل المرتبطة بهذا الموقف".