النجاح الإخباري - خصصت مجلة “إيكونوميست” افتتاحيتها لقرار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الاعتراف بشرعية المستوطنات في الضفة الغربية، قائلة إنه يجعل من احتمالات السلام بعيدة ويزيد من جرأة دعاة الضم في إسرائيل ويهدد حل الدولتين.

وقالت: "إن المستشار القانوني لوزارة الخارجية تيودور ميرون كتب بعد هزيمة الدول العربية في حرب 1967 “مذكرة سرية” و”عاجلة جدا” لمسؤوليه الكبار في الوزارة، قال فيها "إن من غير القانوني قيام إسرائيل بالاستيطان في الأراضي التي احتلتها بالقوة"".

وكان هذا الرأي ولعقود هو موقف كل حلفاء إسرائيل، إلا أن إسرائيل بنت عدة مستوطنات في الأراضي المحتلة حيث يعيش فيها اليوم 428 ألف مستوطن في الضفة الغربية بدون من استوطنوا في القدس الشرقية.

وقال بومبيو في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) "إنه يقوم بالاعتراف بأن وجود المستوطنات ليس خرقا للقانون".

لكن كانت هذه هي الهدية الأخيرة التي يقدمها الرئيس دونالد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وشملت هداياه الأخرى الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل والاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة.

وكان هدف هذه الخطوات هو إرضاء الإنجيليين المحبين لإسرائيل في أمريكا وتقوية موقف نتنياهو الشعبوي مثل ترامب، ولكنها زادت من جرأة دعاة الضم الذين يريدون ضم الضفة الغربية من طرف واحد، مما يقضي على فرص قيام دولتين، حيث ستقام الدولة الفلسطينية على الضفة الغربية وغزة، ولهذا ستواجه إسرائيل خيارا صعبا للمستقبل، وتدافع إسرائيل عن المستوطنات بالقول إن اليهود موجودون في الضفة الغربية منذ آلاف السنين كما أن وجودهم اعترفت به عصبة الأمم عام 1922.

زاد القرار من جرأة دعاة الضم الذين يريدون ضم الضفة الغربية من طرف واحد، مما يقضي على فرص قيام دولتين

وتقول "إن حق الأردن بحكم الضفة الغربية حتى عام 1967 لم يتم الاعتراف به بشكل واسع وإن سيادة الفلسطينيين على الأرض هي محل نزاع، وليس من الواضح ما هي الأرض التي تحتلها إسرائيل بطريقة غير قانونية، وفي النهاية فالموضوع سيتم تقريره بمفاوضات الحل النهائي بين الطرفين، وكان هذا الجدال كافيا لدفع الرئيس الأمريكي رونالد ريغان للقول إنه لا يوجد شيء أصيل يدعو لاعتبار المستوطنات محرمة، وهو ما استند إليه بومبيو، إلا أن عددا من الإدارات الأمريكية فضلت وصف المستوطنات “بغير الشرعية” لا “غير القانونية”، مع أن الجدال الأكثر إقناعا هو الذي قدمه ميرون ودعمته محكمة العدل الدولية ومعظم فقهاء القانون هو أن المستوطنات تخرق ميثاق جنيف الرابع والذي يشترط بأن “لا تقوم الدولة المحتلة بترحيل أو نقل جزء من مواطنيها إلى الأراضي التي تحتلها”.

وقالت المجلة "إن الواقع على الأرض الذي تجاهله بومبيو هو أن هناك 2.6 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية التي ينظر إليها معظم العالم وحتى من قادة إسرائيل السابقين كجزء من دولة فلسطين في المستقبل".

 وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون في عام 2003: “قد لا تعجبك الكلمة لكن ما يحدث هو احتلال، وهو كارثة لإسرائيل والفلسطينيين”. وبالمقارنة تقرب نتنياهو من المستوطنين الذين ساعدوه على الفوز بأربع جولات انتخابية، وفي أيلول (سبتمبر) تعهد بأن يضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية وهو ما لم يفكر به رئيس وزراء إسرائيلي قبله، وقلل البعض من هذه التصريحات واعتبروها مجرد وعود انتخابية من زعيم ليس مستعدا للضم، إلا أن ترامب ومن خلال منحه الضوء الأخضر، فقد منح رئيس الوزراء أو من سيأتي بعده الدفعة".

وتعيش إسرائيل في حالة انسداد سياسي بعد انتخابات غير حاسمة في أيلول (سبتمبر)، فلو شكل نتنياهو الحكومة فسيتعرض لضغوط من حلفائه للضم أثناء وجود ترامب في الحكم، ولن يكون قادرا على رد طلبهم لأنه يريد منهم حمايته من تهم الفساد وخرق الأمانة، ويواجه بيني غانتز زعيم تحالف أزرق- أبيض نفس المشكلة، فهو الجنرال الذي دك الفلسطينيين في غزة، وفشل بتشكيل الحكومة، لكنه مع ذلك رحب بقرار بومبيو وربما تحالف مع دعاة الضم. ولو نجح في بناء ائتلاف فسيواجه بالمستوطنات.

ولم يقدم أية فكرة حول كيفية التعامل معها، مثلما لم يكشف ترامب عن خطته التي وعد بها من قبل ووصفها بـ”صفقة القرن” الكفيلة بحل النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وربما لم تكن إدارة ترامب تعرف هذا ولكنها تدفع إسرائيل نحو زاوية خطيرة، فليست المستوطنات هي “العقبة أمام السلام” كما اعترف ريغان، أو أن من يستوطنون في الضفة الغربية يمثلون عقبة أمنية ومالية على الدولة بل ويمثلون تهديدا لشخصيتها، فالضم سيأكل الكثير من الأراضي التي ستجعل من قيام دولة فلسطينية منسجمة وفاعلة مستحيلا.

وفي حالة وفاة حل الدولتين ستجد إسرائيل نفسها أمام خيارات رهيبة في المناطق المحتلة، وواحد من الخيارات هو منح الفلسطينيين حقوقا متساوية حيث تراقب كيف سيتجاوز عددهم أصوات اليهود في البلد، أما الخيار الثاني فهو تحويلهم إلى سكان من الدرجة الثانية أو إسكانهم في بانتوستانات عدة مما يحول إسرائيل إلى بلد بقوانين مختلفة- أي دولة تمييز عنصري.