النجاح الإخباري - تناول عدد كبير من المسؤولين والخبراء والمحللين في حكومة الاحتلال حالة الخوف مما يصفونه بـ"تزايد ثقة الإيرانيين بأنفسهم"، بما يتعلق بالعمليات العسكرية.

ويفسر المحللون هذه الثقة بأنها نابعة من عدة عمليات عسكرية منسوبة لإيران - بينها مهاجمة سفن وناقلات نفط في الخليج، وإسقاط طائرة مسيرة أميركية ضخمة، واستهداف منشآت نفطية في السعودية بصواريخ موجهة – ولم يتم الرد عليها، خاصة من جانب الأميركيين، الذين بدلا من الرد على هذه الهجمات، بنظر "إسرائيل"، يسعون إلى الانسحاب من المنطقة. 

والتصريحات التي أطلقها رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ورئيس أركان جيش الاحتلال، أفيف كوخافي، هذا الأسبوع، وتحدثا فيها عن ارتفاع مستوى التوتر و"هشاشته"، والتهديدات بالرد على أي عملية إيرانية، من شأنها أن تنذر بنشوب حرب قريبة، لكن هل هذه الأقوال تعكس صورة الوضع؟

كتب المحلل العسكري في موقع "يديعوت أحرونوت" الإلكتروني، رون بن يشاي، أن المعلومات الاستخبارية وتقييمات الوضع في "إسرائيل" "تدل بوضوح على أنه في نصف السنة الأخيرة ارتفع جدا احتمال الحرب في الشمال وفي قطاع غزة أيضا"، رغم أن "أي أحد من الأطراف غير معني بحرب في الفترة الحالية".

وأضاف بن يشاي أن نتنياهو وكوخافي لم يشيرا إلى عوامل تمنع نشوب حرب. "العامل الأساسي الذي يمنع التدهور إلى حرب هو مجرد اعتراف صناع القرار لدى كافة الأطراف بأن الوضع قابل للاشتعال. نتنياهو وكوخافي، الزعيم الإيراني الأعلى، علي خامنئي، وقائد ذراعه في الخارج، قاسم سليماني، وزعيم حماس يحيى السنوار، جميعهم يعلمون أن خطوة واحدة خاطئة في الفترة الحالية من شأنها أن تكبد ثمنا غاليا لشعوبهم ولهم شخصيا. ولذلك هم يحكمون على أنفسهم، في هذه الأيام، بحذر زائد وترجيح رأي بالمستوى الإستراتيجي وكذلك بالمستوى العملاني – التكتيكي".

واعتبر أن "هذا هو السبب الأساسي الذي بسببه تتميز الفترة الحالية بهدوء نسبي في كافة جبهات المواجهة... من دون تنازل أي طرف عن غاياته الإستراتيجية". وحسب بن يشاي، فإن الإيرانيين "قلقين" من موجة الاحتجاجات في العراق ولبنان، "ويخشون من أن مواجهة عنيفة مع "إسرائيل" ستؤدي إلى تراجع مكانة حزب الله في لبنان والمليشيات الشيعية في العراق".

لكن بن يشاي أشار إلى جهتين "لا تضعان منع الحرب على رأس أولوياتهما"، وهما حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية و"الأيديولوجية الانعزالية التي تميز سياسة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الشرق الأوسط". 

ولفت بن يشاي إلى أن تصريحات نتنياهو وكوخافي حول ارتفاع منسوب التوتر استندت إلى تقديرات في حكومة الاحتلال، مفادها أن "القيادة الإيرانية قريبة من اتخاذ قرار، أو أنها قد اتخذته، بتصعيد ’الاحتكاك’ المباشر وغير المباشر مع "إسرائيل"... وهذا يعني أن إيران وأذرعها لن يستمروا في امتصاص واحتواء أضرار عمليات ’المعركة بين حربين’ الإسرائيلية (أي الغارات الإسرائيلية ضد مواقع إيرانية في سورية والعراق خصوصا)، وإنما سيردون عليها بعمليات انتقامية موجعة. وشهدنا مثالا صغيرا على ذلك بالأمس، عندما تم إطلاق صاروخ باتجاه طائرة إسرائيلية مسيرة في أجواء لبنان، دون إصابتها".

وتابع بن يشاي أن هدف تغيير السياسة الإيرانية هو ردع حكومة الاحتلاال من مواصلة غاراتها لإحباط "مشروع دقة الصواريخ والتموضع الإيراني في سورية". والهدف الثاني هو "توجيه ضربات موجعة وإلحاق أضرار ب"إسرائيل"، حليفة الولايات المتحدة، كي يكون لدى إيران رافعات ضغط وأوراق مساومة عندما يحين الوقت للجلوس حول طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة حول اتفاق نووي جديد ورفع العقوبات الأميركية".

وبحسب بن يشاي، فإن أحد أسباب تصاعد الوضع هو "تراكم عدة إنذارات حول نية إيرانية بتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية. وتراكم الإنذارات لدى وكالات استخبارات غربية هي بدرجة مصداقية عالية، وتفيد جميعها بأن العمليات ستلحق بنا خسائر وأضرار. ولهذا السبب رفع سلاح الجو حالة التأهب، وخاصة في منظومات الدفاع الجوي".

لا توجد تهديدات جديدة

من جهة أخرى، أشار المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس"، يانيف كوفوفيتس، إلى أن كبار المسؤولين الأمنيين في جيش الاحتلال، والذي كانوا يشددون حتى فترة قريبة مضت على جهوزية جيش الاحتلال، أصبحوا يحذرون من حرب قريبة، وبذلك يكونوا "قد تبنوا خط نتنياهو". وتشير إلى ذلك أقوال كوخافي، الأسبوع الماضي، بأن "يوجد تصعيد بالتهديدات على "إسرائيل" "، وأن "الوضع في الجبهة الشمالية والجنوبية متوتر وهش وقد يتدهور إلى مواجهة، على الرغم من أعداءنا ليسوا معنيين بالحرب".

وعزا كوبوبيتس، مثلما فعل محللون آخرون، تحذيرات نتنياهو من حرب بأنها ناجمة عن وضعه السياسي، إثر فشله بتشكيل حكومة بعد جولتي انتخابات، ووضعه القانوني، حيث يواجه احتمال تقديم لوائح اتهام ضده بشبهات فساد خطيرة. وبالنسبة لكوخافي، فإن همه الأساسي هو الحصول على ميزانيات تسمح بدفع الخطة المتعددة السنوات التي وضعها لجيش الاحتلال.

وشمل تقرير كوبوفيتس، اليوم، مقابلات مع عدد من المسؤولين الأمنيين، الذين لم يستخفوا بالوضع الأمني الحالي، لكنهم شددوا على أن هذا الوضع ليس جديدا. وكتب أن "النووي الإيراني، حزب الله، إطلاق صواريخ دقيقة من العراق أو بواسطة المليشيات الشيعية في اليمن – كل هذه أشغلت (رئيس اركان جيش الاحتلال السابق غادي) آيزنكوت منذ بداية ولايته، وكذلك سلفه بيني غانتس. وعمليا، هذه هي التهديدات ذاتها التي استعد جهاز الأمن لمواجهتها في السنوات الخمس الأخيرة".  

ولفت كوبوفيتس إلى تقييمات الاستخبارات في جيش الاحتلال، بأنه على الرغم من وجود قلق  في أعقاب الهجوم على منشآت النفط السعودية، "لكن هذه التقييمات رأت أن إيران لن تسارع إلى العمل ضد "اسرائيل" في الجبهة البحرية. ووفقا لمسؤول أمني إسرائيلي، فإنه "على الرغم من وجود القدرات المطلوبة بحوزة إيران لضرب قطع بحرية إسرائيلية، يبدو أنها (إيران) تدرك جيدا أن هذا سيشكل تصعيدا وهي تحاذر من ذلك".