أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - هيا نكف قليلاً عن الكتابة والفكر السياسي وإسداء النصح للمسؤولين، فالنصيحة في بلادنا منبوذة يفهمها المسؤول كأنها استعلاء أو مزاودة، والأهم أنها حين لا تروق في وقتها تصبح بنظر البعض هذيان كاتب ليس لديه ما يفعله سوى الكلام، فلو أن أحدنا قدم لـ»حماس» نصيحة بالعمل الشعبي قبل سنوات لتم اتهامه بالتقليل من شأن الملاحم المسلحة والنيل من المقاومة والتآمر عليها وقد حصل، ولو أن أحدنا قال قبل أشهر، إن من الخطأ عدم استلام أموال المقاصة فتلك أموالنا ولا يجب رفضها لتم اتهامه حينها بإضعاف الإرادة واختراق الموقف الوطني الصلب ولكن بعد فترة يعود المسؤولون وحدهم عن كثير من القرارات التي اتخذوها وهناك تبرير دوما.
لا يهم من يريد الانتخابات ولا يهم هنا في هذا المقال هل ستتم أم لا والعقبات التي تفترضها حد الاستحالة، وقد كتبت عن ذلك في مقال الأسبوع الماضي. فمن الصعب تصور أننا نتجه نحو انتخابات لأسباب عديدة ولألغام عديدة تعترض طريقها، ولا يهم أيضا مصالح الأطراف في عقدها وسعادة البعض في استحالتها، إذ بات واضحاً بعد تلك التجربة الطويلة أن الأحكام تنبع في العالم العربي من اعتبارات شخصية أولاً ونحن لسنا استثناء. وقانون الانتخابات نصف نسبي ونصف دوائر الذي أوقعنا في تلك الحفرة العميقة والتصويت عليه آنذاك يصلح نموذجا لقياس كيف تتخذ القرارات لدينا وكيف تتم صياغة المداخلات ولي عنق الحقيقة ان تطلب الأمر أحياناً والدوس على مصالح الحزب حين يكون عقبة في وجه مصلحة الفرد، هكذا نحن، وهكذا قالت الأحداث ومن يراقب يعرف ذلك.
لكن لنبتعد هذه المرة عن كل هذا وننقل بأمانة رأي مواطن بسيط جرب على جلده الانتخابات ونتائجها وكوارثها التي تحققت وماذا تعني بنظره، ولنر مرة واحدة بعين مواطن سحقته الحياة تحت أقدامها حين تصارع الفيلة ليجد نفسه متسولاً بائساً بلا عمل وبلا أمل سجيناً في بقعة صغيرة من الوطن تحولت عائلته التي أسسها لتكون سنداً له  إلى عالة تمنى لو أنه لم يتزوج يوماً حين ينظر الى أبنائه الذين يصطفون أمامه بلا أي أفق في الحياة في غزة التي لم تعد تصلح لأي شيء.
هو مواطن بسيط لا ناقة له بالانتخابات ولا جمل ولا يجيد خطابات السياسة ولا ألاعيب الساسة وشعاراتهم، ولكنه منهمك حد العظم في الحملة التي بدأها الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان «بدنا انتخابات» وتحول إلى أشد المطالبين بها رغم بساطته وبعده عن السياسة تماماً لكنه بات من أكثر الراغبين لإجراء الانتخابات.
في نقاش عابر سألته، وهل تعتقد فيما لو جرت الانتخابات وتلك بحاجة الى معجزة طبعا، هل ستغير من الأمر شيئاً؟ فالتوازنات بقيت كما هي وربما يعاد انتخاب نفس الوجوه التي تتقدم الصفوف الآن، أجاب: أعرف ذلك وأرى حجم المدافعين عن القيادات القائمة وأعرف أنه سيتم انتخاب نفس الأحزاب ونفس الأشخاص، قلت: فلماذا أنت مندفع للمطالبة بها إذاً؟
كانت الإجابة عفوية ولكنها تحمل كل المضامين التي أردنا أن نوصلها مرارا حين قال: لن تغير الانتخابات شيئاً في حالتنا وفي كل مرة نجري فيها انتخابات نغرق في الأزمة أكثر لكنني وبكل صراحة لست معنياً بعملية الانتخابات ولكنني أريد موسم الانتخابات وما يهمني هي الفترة التي ستسبق العملية وأذكرها تماماً.
ثم استطرد في القول: أثناء الدعاية الانتخابية جاؤوا إلينا كلهم، زارونا في بيوتنا، كم كانوا طيبين ومتواضعين، وزعوا علينا أموالا ودولارات وكوبونات، احترمونا كثيراً، جلسوا معنا على الأرض وضحكوا في وجوهنا، وعدونا أنهم سيخدموننا وأن أبوابهم ستبقى مفتوحة لكن بعد الانتخابات لم يعد يزورنا أحد ولم يعودوا يوزعون أموالا ولا مساعدات وركبوا أفخم السيارات وأصبح لهم مكاتب ومرافقون، وحين نذهب اليهم يطردنا المرافقون من على الأبواب ولا يسمحون لنا بلقائهم.
ثم أكمل أنا أنتظر فترة ما قبل الانتخابات وليس بعدها، أعرف بعدها أنهم سيذهبون لحال سبيلهم كما الذين قبلهم سيعلمون أولادهم أحسن تعليم وسيأخذون رواتب عالية ويبنون بيوتا فاخرة، لكن الشهر الذي يسبق الانتخابات هو الأهم بالنسبة لنا لأن جميعهم سيأتون لنا ويعطوننا المال والهدايا والابتسامات والمواد التموينية التي نحتاج وهذا كل شيء.
هذا الحوار البسيط العفوي يشكل إدانة حد الفضيحة لأركان العمل السياسي الفلسطيني للأحزاب والقوى والشخصيات التي تقدمت بكل تواضع تحت شعار خدمة المواطن وإذ بها تتحول الى قادة تمتلك وطنا وتحقق مصالحها بعيداً عن المواطن الذي صعدت على أكتافه في عملية خداع هي الأكبر لمن اعتقد أن المصالح الوطنية ومصالح المواطنين هي الهم الوحيد الذي سيسكن عضو البرلمان وإذ بالتغيير يحدث باتجاهين: تغيير إيجابي نوعي على حياة المسؤول وتغيير سلبي حد السحق للمواطن. وتلك هي لعبة الانتخابات وهكذا يراها مواطن فقد ثقته بكل ما هو قائم، ذلك الحوار البسيط الذي قاله الرجل أبلغ تعبير عن مئات المقالات التي حاولت أن تقول لسياسيين، لقد فقد المواطن ثقته بكل شيء، هل هناك من له اذان للسمع؟

الايام