غزة - طلال عوكل - النجاح الإخباري - من الصعب وصف الاوضاع على الحدود بين قطاع غزة و الاراضي المحتلة عام 1948، فلا هي هادئة تماما و لا هي متوترة بمستوى يجيب عن سؤال التهديدات الاسرائيلية المتكررة، بشن عدوان مدمر على القطاع. بينما يستقر نشاط مسيرات العودة و كسر الحصار، عند معدلات تقليدية لا يعكرها سقوط بعض البالونات الحارقة، و في الجمعة التي سبقت عيد الاضحى المبارك، اقتصرت النشاطات على تجمع متواضع شرق منطقة خانيونس، فان سقوط ستة شهداء خلال اسبوع واحد، برصاص الجيش الاسرائيلي، يشير الى حسابات متبادلة تثير بعض الاسئلة. ستة شهداء الاول شرق خانيونس و هو ينتمى الى كتائب القسام، و اربعة شرق دير البلح و لم يعلن اي فصيل عن انتمائهم، و السادس صبيحة اول ايام العيد، شرق بيت حانون شمال قطاع غزة. في كل مرة تدور الادعاءات الاسرائيلية عن مسلحين، يتجهون نحو القيام بعمليات يتصدى لها الجيش، الذي لا يتعرض لإصابات، باستثناء الشهيد الاول، الذي اصاب عددا من الجنود، و النتيجة تكون استشهاد المقاومين. الغريب ان ضجة لم تقع على الجانبين الاسرائيلي و الفلسطيني، فالإسرائيلي يتهم حركة حماس بالمسؤولية و هو امر اعتادت عليه اسرائيل، و الفلسطيني لا يفعل سوى اطلاق التهديدات بالرد و ادانة المحتل.

في تصريح لرئيس الحكومة الاسرائيلية، يقول ان الجيش مستعد للقيام بعملية عسكرية مدمرة، لا بد ان تكون لها اهداف، و لكنه يفضل التفاهم مع حركة حماس، لان العملية التي يهدد بها ستكون مدفوعة الثمن. في الوقت ذاته لا تستطيع حركة حماس تبرير هذا الهدوء النسبي، المقبول بالنسبة لإسرائيل، بينما ترتفع شكوى الفصائل من ان حكومة نتنياهو غير ملتزمة بالتفاهمات.

الحديث عن تفاهمات امر ينطوي على غموض اذ من غير المعروف عن اي تفاهمات يجري الحديث، لكن الاكيد هو ان الطرفين الاسرائيلي و حركة حماس يظهران و يبطنان رغبة في التوصل الى تفاهمات، بينما لم يتحرك منذ بعض الوقت الوسطاء التقليديون لإنجاز اي تفاهمات. يبدو ان الوسطاء باتوا يدركون بان لا حاجة لهم لان يعودوا للتحرك، طالما ان الطرفين الفلسطيني و الاسرائيلي، يلتزمان بحسابات دون مستوى معين من التصعيد.

من الواضح ان ثمة تقاطع في الحسابات بمحصلتها تؤدي الى ضبط حالة الاشتباك على الحدود بين قطاع غزة و الاراضي المحتلة عام 1948، بينما تشهد الضفة تصعيدا تستدعيه التهديدات الاسرائيلية الحقيقية و الجادة بشأن القدس و المسجد الاقصى.

كان سقوط سته شهداء خلال أسبوع واحد، كفيل بأن يرفع درجات الحرارة، بين فصائل المقاومة وإسرائيل، إلى مستوى من السخونة ما قد لا يصل إلى مستوى استدعاء عدوان شامل على القطاع، ولكن لا يهبط إلى مستوى البرودة، التي تصرفت بها حماس والفصائل من باب رد الفعل.

على أن ثمة رسالة مهمة، لا يمكن للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ان استمرا في تجاهلها ولا يمكن لهما أن استقرا عند القراءة ذاتها والسلوك ذاته، الذي ظهر من قبلهما، إثر سقوط هذا العدد من الشهداء، والسؤال هو ما الذي يجعل الشهيد الأول وهو من كتائب القسام أن يتصرف لوحده ويتجه بسلاحه نحو الحدود ليشتبك مع جنود الاحتلال؟

سلوك فردي بالتأكيد، لا تشير كيفية التعاطي من قبل حماس معه، على أنه بقرار من الجهات المسؤولة، وهو أمر تفهمه الجانب الإسرائيلي، ولكن هل يشير ذلك، إلى ضعف الانضباط في القسام، أم إلى ان ثمة من يمكن أن يندفع لتكرار السلوك ذاته بدوافع مختلفة. السؤال الأهم يتصل بسقوط الشهداء الأربعة شرق دير البلح، الذين تدعي إسرائيل أنهم يحملون بنادق رشاشة وقنابل وقاذف أر بي جي فهل هؤلاء من القسام أم أن هناك جماعات مقاومة غير راضية عن حسابات وطريقة تعامل حركة حماس، وتسعى لتوتير الأوضاع على الحدود، وتوريط فصائل المقاومة في مواجهة مع إسرائيل؟.

من المؤكد أن حركة حماس لن تتجاهل مثل هذا السلوك ودوافعه وأهدافه ذلك ان مجموعة من أربعة لا تحسب على السلوك الفردي بقدر ما أنها تشير إلى عمل منظم و موجه.

هذا الوضع الملتبس في الحسابات يترك مجالا لطرح الأسئلة الخلافية من قبل بعض الفصائل مع حركة حماس، لكن هذه الأسئلة تبقى حبيسة العجز عن التأثير في تلك الحسابات، ذلك ان حركة حماس لن تسمح بتجاوز حساباتها وقراراتها، بينما هي التي تتحمل العبء الأكبر من المسؤولية عن الأوضاع في القطاع، وبينه وبين الاحتلال الإسرائيلي، غير ان مثل هذا الخلاف قد يظهر قريبا على حجم وأشكال النشاط الشعبي القائم على شعار حق العودة وكسر الحصار.