غزة - هاني أبو رزق - النجاح الإخباري - مع كلِّ بارقة أمل في تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام التي تبذل مصر فيها جهوداً مستمرة، خاصة مع انسداد أفق عملية السلام بعد قرارات الإدارة الأمريكية، ورفض الكلّ الفلسطيني لصفقة القرن، أقدمت حركة حماس على تغييرات على الهيكلية الإدارية في القطاع، شملت مؤسسات حكومة وبلدية غزة، وهو ما يضع علامات استفهام حول توقيت هذا التغيير، في ظلّ دعوة الرئيس عباس لها بضرورة تنفيذ اتفاق (2017) للمصالحة.

يُشار إلى أنَّ اللجنة الإدارية التي شكَّلتها حماس كانت سببًا في تفجير الخلافات إلى أن تمَّ حلها باتفاق القاهرة (2017)، الذي لم يعمّر طويلاً بعد أن قطع شوطًا في التطبيق على الأرض بفعل التفجير الذي استهدف رئيس الحكومة السابق رامي الحمدالله، ورئيس جهاز المخابرات في (13/مارس الماضي).

وطالت التغييرات الإدارية في غزّة من قبل حركة حماس، كلًا من محمد عوض رئيس اللجنة الحكومية، وسهيل مدوخ نائب أمين عام مجلس الوزراء، ويوسف الكيالي رئيس ديوان الموظفين، وحازم الحصري وكيل وزارة المالية، ورشدي وأدى وكيل وزارة الاقتصاد، ومحمد الرقب رئيس ديوان الرقابة، وصلاح أبو شرخ وكيل وزارة الداخلية، وتم إلغاء كل من وزارة الخارجية، والسياحة، والثقافة، والمرأة، والشباب والرياضة.

ويرى مجموعة من المحللين السياسيين أنَّ تلك التغيرات تأتي في ظلِّ الأزمة المالية التي تعاني منها حماس، إضافة إلى أنَّ تلك الإجراءات، عمل غير ديمقراطي، ولا تتماشى مع المصالحة، وهذا ما أكَّده الكاتب والباحث السياسي منصور أبو كريم، وقال: "إنَّ انتخاب رئيس بلدية لمدينة غزة بالشكل الذي حدث، يعبر عن مدى الاستفراد الذي تدار به الشؤون العامة في غزة، ومدى استمرار سيطرة حركة حماس ولجنتها الإدارية على الأوضاع في القطاع، فتعيين رؤساء البلديات خاصة الكبيرة يكون عبر قرار من الرئيس عباس، وهذا لم يحدث منذ سيطرة حركة حماس على القطاع بالقوة العسكرية صيف عام (2007)".

وأضاف في حديثه مع "النجاح الإخباري" "هذا التعيين الجديد هو دليل إضافي على كيفية إدارة الشأن العام في القطاع، خارج القانون ونطاق الأصول والأعراف السياسية والقانونية، وهو تعبير عن حالة الاستفراد بالحكم دون مصوّغ قانوني وسياسي، فالقرار لا يتماشى مع المصالحة التي دخلت مرحلة الموت السريري منذ أن ركبت حركة حماس موجة مسيرات العودة كمسار آخر عن مسار المصالحة للهروب من تنفيذ اتفاق عام (2017)".

وتابع أبو كريم "هذا القرار يعبر عن تخلي حركة حماس عن الخيار الديمقراطي في اختيار رؤساء المجالس المحلية، وعن مدى سيطرة حماس على المؤسسات العامة في القطاع، كون من حضر اجتماع اختيار الدكتور يحيى السراج هم لجان الأحياء المعينين من قبل الحركة، وبعض الوجهاء والنخب التي قامت الحركة باختبارهم من الأساس، وبالتالي هذه الآلية تعبر عن مدى سيطرة الحركة على كلّ المؤسسات العامَّة في قطاع غزة.

وأشار أبو كريم إلى أنَّ حركة حماس تسيطر على معظم المؤسسات العامة في القطاع، لافتًا إلى أنَّ تعين رئيس بلدية لمدينة غزة بهذه الطريقة تعبير عن التفرد في حكم القطاع، هو دليل على أنَّ المطالبة بعقد انتخابات تشريعية ورئاسية للمجلس الوطني بشكل متزامن، هي مجرد حجج للهروب من استحقاقات المصالحة وإنهاء الانقسام عبر العملية الديمقراطية.

وأكَّد لو كانت حركة حماس صادقة في الدعوة لانتخابات شاملة ومتزامنة، لكان الأولى بها أن تجري انتخابات لمدينة غزة وباقي المدن والبلدات الفلسطينية في قطاع غزة.

وأوضح أبو كريم أنَّ تعيين رئيس بلدية بهذه الطريقة يأتي نتيجة فشل رؤساء البلديات السابقين الذين تمَّ تعينهم لمنصب رئيس بلدية غزَّة أكبر مدن القطاع خلال فترة حكم الحركة للقطاع، فجاءت هذه الطريقة لتثبت أنَّهم يختارون بشكل ديمقراطي، وبرغم المؤهلات العالية التي يمتع بها رئيس بلدية غزَّة المعين الدكتور السراج إلا أنَّ اختياره بهذه الطريقة قوبل بردود فعل رافضة من قبل المجتمع الفلسطيني، بما فيها الفصائل التي أعلنت رفضها، وهذا يعطي مؤشرًا على مدى التململ لدى المجتمع من حكم الحركة للقطاع في ظلِّ التردي الكبير للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية في القطاع.

وفي السياق ذاته، قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم: "جاءت خطوة حركة حماس بتغيير في بعض الوزارات ودمج أجهزة أمنية بأجهزة أمنية أخرى، بالإضافة إلى طريقة تعيين يحيى السراج بطريقة سميت بالمجتمع الانتخابي والذي يتكون من نخب مجتمع مدني، لا نعلم من هم في الغالب هم محسوبين على حركة حماس أو قريبين منهم وهذه طريقة لا تعبر عن الشكل الديمقراطي ووسيلة لتعميق للانقسام.

وأضاف "للنجاح الإخباري": "كان المفروض من الحركة التوجّه لانتخابات بلديات والبحث عن طريقة لحل الانقسام، فالطريقة  التي اتَّبعتها غير مفهومة وتعمق الانقسام، وتؤجّل تحقيق المصالحة التي أصبحت تسير في طريق مسدود .

وتابع إبراهيم: "إنَّ تحقيق المصالحة يتطلَّب أن يكون هناك جدية، وإرادة حقيقة من قبل حركة حماس والسلطة الفلسطينية في ظلِّ الأوضاع السياسية الراهنة في الفترة الحاليَّة، وخاصة بعد تهديد ترامب بصفقة القرن وإصراره على تنقيذ تلك الصفقة، والتي كان آخرها عقد ورشة البحرين بهدف إغراء الفلسطينيين.

وبيَّن إبراهيم أنَّ التغيرات الوزارية والإدارية التي قامت بها حماس، تدفع السلطة الفلسطينية لتحميل حماس مسؤولية الهروب من المصالحة وتشديد قبضتها على الوزارات والمؤسسات داخل القطاع، مشيرًا إلى أنَّ حماس كان باستطاعتها أن تفتح حواراً وتتناقش فيه مع فصائل العمل الوطني بإجراء العملية الانتخابية، وتوضّح إن كانت هذه التغييرات ستخدم المجتمع أم تخدم مصالح بعض المسؤولين فيها.

وأشار إبراهيم إلى أنَّ حركة حماس بهذه الإجراءات تكرِّس سيطرتها على غزة، وتسعى إلى عدم تحقيق الشراكة الوطنية الغائبة بالخطوة الانفصالية التي قامت بها استمراراً للخطوات السابقة.

يُشار إلى أنَّ المكتب الإعلامي الحكومي التابع لحكومة حماس في غزة نفى الشائعات التي يتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول إعادة تشكيل اللجنة الإدارية الحكومية أو أي أجسام لإدارة قطاع غزة، ونوَّه إلى أنَّ بعض المؤسسات الحكومية والوزارات تقوم بين الحين والآخر بإجراءات إدارية تأتي في السياق الطبيعي والضروري؛ سعياً لتحسين خدمة المواطن، مؤكّدًا على أنَّ المؤسسات الحكومية والوزارات تدار من قبل الوكلاء منعًا لحدوث أيِّ فراغ إداري، وحرصًا على اتمام مصالح أبناء شعبنا.

الجدير ذكره، أنَّ مصر تبذل جهوداً حثيثة لتحقيق المصالحة الفلسطينية، في ظلِّ ما تتعرض له القضية الفلسطينية من مؤامرة، استكمالاً لما حققته في أكتوبر (2017)، وسط دعوة الرئيس محمود عباس مؤخَّرًا إلى وقف العمل بالاتفاقات مع الاحتلال وضرورة إقدام حركة حماس على تنفيذ اتفاق (2017)، لتحقيق المصالحة.