نبيل عمرو - النجاح الإخباري - يحمل الفلسطينيون محبة خاصة لتونس الدولة الداعمة بلا تحفظ ، والقوى السياسية التي ان اختلفت على كل شيء فلا تختلف على الموقف الراسخ من الشعب الفلسطيني وكفاحه من اجل نيل استقلاله .

وتونس التي حين عزّ على أي بلد استقبال ابطال بيروت، وتأمين ملاذ آمن لهم ومنطلق لمواصلة كفاحهم كانت من بادر وتبنى وفتح كل الأبواب وقدم كل التسهيلات.

تونس التي كان علمها وعنوانها الأبرز الحبيب بورقيبة، قدمت للفلسطينيين والعرب نصائح لو استمعوا اليها في حينه لتفادوا خسارات اوصلتهم الى ما هم عليه من ضعف وتراجع، وتونس البورقيبية وان كان عنوانها رجل اتى بالاستقلال لهذا البلد العصامي قليل الإمكانيات المادية بالقياس لغيره، الا انها كانت دولة مؤسسات ـ الحزب الدستوري والاتحاد التونسي للشغل، والبرلمان المنتخب، والاقتصاد المعتمد على الذات، والتنمية التي كانت نشطة رغم قلة المصادر.

كان بورقيبة عنوانا لذلك كله وليس حاكما فرداً يلغي هذه المؤسسات القوية والفعالة، تونس نصحت العرب جمال عبد الناصر ياسر عرفات صدام حسين، باتخاذ موقف نُظر اليها في حينه على انها دعوات للتفريط، وهوجم الرجل حتى الرجم في الأماكن التي قال فيها قولته الصريحة والحكيمة، حين لم يصغي اليه العرب نقل عنه انه قال في مجلس خاص "سيفعلون ما نصحتهم به ولكن في وقت آخر حيث لن يخدموا انفسهم ولن يصغي اليهم احد".

البورقيبية التي حكمت تونس بالمؤسسات ظلت مستمرة حتى بعد غياب مؤسسها ورغم محاولة احد تلاميذه الذين انقلبوا عليه لاضعاف ايقاعه وحب التونسيين له، ونقل تمثاله الشهير من قلب تونس العاصمة الى مكان ناءٍ لا يراه فيه احد، الا ان البورقيبية رغم ذلك بقيت في تونس في نفوس الناس العاديين نساء ورجالا بما هو اعمق بكثير وابقى من اهواء السياسيين وممتهني الحكم والتسلط والاستفراد.

حين انطلقت شرارة الربيع العربي من تونس ظن المتابعون التلقائيون ان هذا البلد سيكون اول الضحايا فإذا به يقاوم رياح السموم بالعودة الى التراث السياسي الأصيل، فبايع الشعب خليفته الفعلي الذي خرج من احشاء التجربة البورقيبية، وأعاد للبلد العصامي اعتباره وايقاعه وهويته انه الرجل الذي شيعته القلوب الى مثواه الأخير بالأمس الباجي قايد السبسي رفيق بورقيبة وعميد من بقوا على قيد الحياة من رجالات الاستقلال والبناء، والذي لم يؤسس نداء تونس فحسب بل جعل العالم يستجيب لهذا النداء.

رحل الرجل مثلما رحل بورقيبة غير ان ما زرعوه وحافظوا عليه بقي في تونس، المؤسسات، التعددية الفكرية والسياسية، الانتخابات، التداول السلمي للسلطة، بقي ذلك كله سياجا يحمي تونس الكيان والشعب والفكرة والهوية، بما لا خوف عليها وعلى ما تمثل من معانٍ عظيمة ليس للتونسيين فقط وانما للعرب وللأنسانية.

فهل نتمثل نجاحات تونس في بلادنا ؟؟؟