نابلس - النجاح الإخباري - يبقى موسم التين في منتصف شهر تموز الأهم لدى المواطنين في قرية تل بمحافظة نابلس، الأكثر حركة ونشاطًا إذ لا يخلو منزل من (الخضاري والعناقي، والموازي، والعسالي، والسوادي، والخرطماني، بالإضافة للعجلوني ) وهي أصناف يعرفها المتذوقون جيدًا ولكل منها حكاية.

يقول عصام تيسير (32) عامًا لـ"النجاح الإخباري": "إنَّ زراعة التين لم تعد بالنسبة له موضة قديمة، حيث يعمد إلى ضمان حقول التين بأسعار مقبولة وقطافها وتسويقها من خلال توزيعها بالجملة أو عرضها على البسطات الصغيرة على جوانب الطرقات، حيث يدخل الأسواق من بابها الواسع.

يضيف عصام خلال عمله في أحد بساتين التين التي يضمنها سنويًّا: "فاكهة التين بدأت تحتل مكانها بين الكثير من أنواع الفاكهة، حيث نعمل على توضيبها في صناديق بلاستيكية تراوح سعتها بين الكيلو ونصف كيلوغرام بينما تخضع أسعارها كغيرها من السلع في السوق المحلي، إلى قانون العرض والطلب وجودة البضاعة حيث يتراوح سعر الصندوق بين(60 -100) شيقلًا.

وردًّا على سؤال يتعلق بمستقبل هذه النبتة التي أقسم الله بها، يحذِّر عصيدة من "وهن" هذه الشجرة التي امتدَّت لعشرات السنين، وذلك بسبب الظروف المحيطة، وتراجع اهتمام الأجيال بها لصالح متطلبات الحياة، عدا ما تعانيه من آفات زراعية يطول الحديث عنها.

وفي هذا الصدد يحذِّر عصام من قطعان الخنازير التي يفلتها الاحتلال من مستوطناته، إذ تلقي هذه المشكلة بظلالها على حقول التين بما تتركه من آثار تدمير وتكسير تؤدي في المحصلة إلى الإضرار بالمحصول وتراجعه، والتسبب في بعض الأحيان بخسائر فادحة لعدد من المزارعين.

ينطلق العمل منذ الساعة الخامسة فجراً، وحتى الساعة السابعة أو الثامنة صباحًا، لحين مجيء التجار إلى منطقة وسط البلدة لشراء الثمار حيث وصل سعر الصندوق في يوم القطاف الأول نحو (120) شيقلًا بحسب مزارعين.

ويبلغ معدل الإنتاج اليومي لبعض المزارعين في اليوم الواحد ما يقارب الـ(25) كرتونة، وكل كرتونة تحتوي ستة صحون. وكانت ثمارنا من "التين العناقي والخرطماني"، وهي أكثر أنواع التين مبيعًا.

 المدهان إرث

يرد عصام بالقول "منذ أن ترعرعت، وأنا أرى أبي في مثل هذا الموسم من كل عام يبدأ بعمل "مدهان التين"، وهو بمثابة إرث للقرية وأحد أبرز أدوات الموسم المعروفة.

و"مدهان التين" هي عصا خشبية صغيرة، يُلفّ رأسها بقطعة قماش أو قطن أو اسفنجة، ومن بعدها تُبَلّل القطنة بالزيت النباتي أو زيت الزيتون، ثم يُدهن رأس الثمرة الفجّة.

"بعد أسبوع من دهن الثمار، يحين موعد "قزع أو قطف" الثمار الناضجة لغايات التسويق. أضاف عصام.

بدوره لا يرى الدكتور أكرم سعادة حرجًا في استخدام "نقطة من الزيت" بداعي انضاج التين.

ويؤكّد سعادة في تعليق مقتضب لـ"النجاح الإخباري": "لن يكون هناك أيَّة تأثيرات جانبية لاستخدام الزيت في إنضاج ثمرة التين خاصة وأنَّ الزيت المستخدم طبيعي وبالتالي لن يؤثر على القيمة الغذائية لثمرة التين".

 

رعاية مستمرة

رأى المزارع تيسير عصيدة (53) عامًا أنَّه من الضروري سقاية أشجار التين بكميات قليلة بمعدل مرَّة واحدة كلّ أسبوعين تقريباً، لأنَّ ذلك يساعد على نموّها ويزيد من حجم ثمارها.

ويأسف عصيدة في تعليق لـ"النجاح الإخباري"، لعدم توسع المساحات المزروعة بالقرية بالتين.

ويجمع الموطنون في القرية على أنَّه رغم زراعة مساحات جديدة التين في السنوات الأخيرة، إلا أنَّ هذه الزراعة تبقى خجولة مقارنةً بآلاف الأشجار التي كانت تغطي أراضي واسعة في القرية التي تشتهر أيضًا بتربية المواشي وزراعة الصبار، والتي تُسهم في دعم الاقتصاد المحلي.

ويطالب المواطنون وزارة الزراعة بضرورة دعمهم بأشتال التين؛ لتعويض النقص السنوي الذي تعانيه هذه النبتة جرَّاء سقوطها فجأة بسبب "حفَّار التين" أو "دودة التين" في ظلّ غياب المكافحات والمبيدات الحشرية.

وبالنسبة للمواطنين في قرية تل حوالي (7000 نسمة) فإنَّ بقيَّة القصة المؤلمة تبقى لدى كبار السن الذي ظلّوا صامدين بأرضهم يعتنون بها ويزرعون هذه الشجرة حتى وصلت القرية إلى مصافي البلدات الفلسطينية لجهة هذه الثروة النباتية المهمة.

عرف الفلسطينيون زراعة شجرة التين منذ آلاف السنين؛ في عهد الكنعانيين؛ فهي من أقدم أشجار الفاكهة التي عرفها الإنسان الفلسطيني وأهتم بزراعتها، فشجرة التين تتحمل كل الظروف البيئية، وتعيش في كل أنواع التربة؛ الرملية، والطينية، وحتى الصخرية، ولا تحتاج لكميات كبيرة من الماء والأسمدة، كما أنَّها مقاومة للآفات والأمراض، وكلّ هذه الصفات جعلت هذه الشجرة تحتل مكانة مرموقة في فلسطين.

وتبدأ أشجار التين في الإثمار في العام الثالث أو الرابع من زراعتها بالمكان المستديم، وفي بعض الأحيان، يمكن أن تبدأ بالإثمار من العام الثاني، وهذه الثمار يجب إزالتها؛ لتوجيه طاقة الشجرة نحو تكوين هيكلها، تبدأ الأشجار بإعطاء محصول تجاري اعتبارًا من السنة الخامسة أو السادسة. وقد تعطي بعض أشجار التين محصولين في العام الواحد.

صحة في كلّ حبة

وأثبتت الدراسات الحديثة بأن التين يمنع تشكل الأورام السرطانية.

وبحسب الدراسات أيضًا فإنَّ أغلب المواد الفعالة في التين ذات خواص مطهرة وملينة؛ فهو يستخدم خارجيًّا لمعالجة الجروح والقروح بتضميدها بثمار مجففة مغليَّة، ويعالج التين الإمساك حتى المزمن أو المستعصي منه، أيضاً يفيد منقوع ثمارها في علاج التهابات الجهاز التنفسي، مثل: التهاب القصبة الهوائية والحنجرة، كما أنَّ تناول كأس من منقوع ثمار التين قبل كلّ طعام، يفيد في تخفيف السعال التشنجي الديكي، الذي يصيب الأطفال. أما إذا استعمل المنقوع غرغرة فإنَّه يخفف الآلام الناجمة عن التهاب البلعوم.