عبير البرغوثي - النجاح الإخباري - المرأة الفلسطينية حجر الأساس لكل قضية، نقطة المراجعة لاستخلاص الدروس والعبر من مسيرة طويلة من العمل داخل الأسرة وخارجها، في السياسة وفي الاقتصاد وفي مختلف القطاعات، عقود من التضحيات على كل الجبهات، وما زال السؤال: هل أنصفها الاعلام الفلسطيني بموقع متقدم على صدر صفحاته الأولى كرائدة للعمل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الى جانب دورها في خلق أجيال تحمل راية الاستمرار والعمل والبناء؟ ام أن المرأة الفلسطينية ما زالت تدفع ثمن وتداعيات الصور النمطية للمرأة التقليدية في الفضاء الاعلامي؟ أسئلة وقضايا كثيرة متداخلة ومترابطة تتعلق بهذا الموضوع!
في هذا الإطار جاءت مبادرة وزارة شؤون المرأة لعقد المؤتمر الوطني عالي المستوى بعنوان "المرأة والنوع الاجتماعي في الإعلام الفلسطيني"، بدعم من الوكالة الايطالية للتعاون، بهدف حشد كافة الطاقات من قبل كافة الجهات المعنية لوضع استراتيجيات اعلامية واضحة وملزمة تجاه إدماج النوع الاجتماعي في الإعلام تستند الى المرجعيات المحلية ممثلة بوثيقة الاستقلال والنظام الأساسي، إضافة الى التزامات دولة فلسطين تجاه انضمامها وتوقيعها على عدد من الاتفاقيات الحقوقية الدولية.
يشكل الإعلام وبإجماع المهتمين السلطة الرابعة بكل ما في الكلمة من معنى، وربما الأكثر تأثيراً على مختلف مكونات المجتمعات بمؤسساته وأفراده وفي مختلف التجمعات، وقد شهدت هذه السلطة نمواً وتأثيراً كبيراً خلال السنوات الأخيرة في ظل تطور وتنوع وانفتاح قطاع الإعلام على مصراعيه، وطنياً ودولياً وفي مختلف الميادين. وبات الفضاء الإعلامي مساحة مفتوحة لمختلف اللاعبين، من القطاعين العام والخاص،  ومع اتساع دوائر العولمة و"انترنت الاشياء" القائم على التواصل والترابط والذكاء الاصطناعي بين الاجهزة وتبادل المعلومات الكترونيا، لم تعد الحدود مغلقة أمام تدفق المؤثرات من والى داخل الحدود الجغرافية للدولة، وباتت المجتمعات والأفراد والمؤسسات عرضة للتأثر والتأثير بموجات الطوفان الإعلامي بكافة مكوناته الإيجابية والسلبية، واختفت الحدود أمام المخاطر والتأثيرات بين الدول اعلامياً.
ويشكل الوضع الفلسطيني نموذجا خاصا في مجال التعاطي مع الاعلام ودوره وعناصره بالمقارنة مع باقي الدول في الاقليم، في ظل وجود الاحتلال وطغيان البعد السياسي على العمل الاعلامي بشكل عام، فإلى جانب القضايا الحياتية واليومية هناك تأثيرات للاحتلال على كافة المجالات، ومن بين أهم تلك المجالات موقع المرأة على الساحة الاعلامية وطبيعة الدور والصورة الاعلامية التي تحظى بها المرأة في هذا الاطار.
فالانفتاح على العالم فيه العديد من العوائد الايجابية، وفيه فرصة للاستفادة من التجارب الناجحة، وتبادل الخبرات والتجارب، ولكنه ينطوي ايضا على مخاطر، خاصة في ظل ظروف عدم التكافؤ، او عدم الجاهزية لفلترة  ما يصل من الخارج، أو وجود حالة من الانفتاح غير المنظم، وغالباً تكون الفئات الضعيفة او المهمشة هي الاكثر عرضة للتأثر بتلك المخاطر، وخاصة فئة الأطفال، والنساء، وغيرها من الفئات الاجتماعية.
ومن بين جوانب وتأثيرات الانفتاح والعولمة الإعلامية، هو انتشار أعداد الفضائيات، وسهولة الوصول والحصول على مواد البث الاعلامي سواء بطرق قانونية او طرق غير قانونية، ولعل واقع المرأة وصورتها في الاعلام المعاصر يشكل موضوعا مهماً للمراجعة واتخاذ الاجراءات بما يخدم قضايا المرأة وخاصة في مجتمعنا الفلسطيني، وتزداد صعوبة صورة المرأة في الاعلام بسيطرة البعد التجاري على الفضاء الاعلامي، ففي البدايات كان الاعلام يولد ويدار من قبل الاعلاميين، كأي مهنة، كما الطبيب يمارس الطب،  والمهندس يمارس الهندسة، ولكن الخطر الداهم لقطاع الاعلام هو دخول المال التجاري كمشغل ومؤسس للوسائل الاعلامية، مما يفتح الباب امام مخاطر تنجم عن ممارسة غير الاعلاميين لمهنة الاعلام، ولعل تناول الفضائيات الاعلامية من حيث الاخبار، المسلسلات، الافلام والبرامج الحوارية على المستويين العربي والاقليمي تدلل في معظمها على الاهداف التجارية وتحقيق الارباح بغض النظر عن المحتوى، الى جانب التنافس والتضارب فيما بينها، هذا الواقع يقدم صور مختلفة عن حقيقة ودور المرأة وقد تكون مخالفة للواقع، كما تخلق فهما مغلوطا لصورة المرأة. في المقابل يواجه الاعلام الملتزم تحديات كبيرة لمواجهة طوفان الاعلام التجاري، وفي ظل هذه المعادلة غير المتكافئة بين النمطين يبقى تأثير البعد التجاري اكثر وضوحا، ولذلك فإن المؤسسات الجادة لا يمكنها الاستمرار بشكل منفرد في ظل العولمة التجارية.
وتزداد المخاطر الإعلامية على دور المرأة في ظل اتساع حدة وعمق ومجالات ثورة المعلومات والتواصل، وخاصة انتشار قنوات بث المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فأصبح كل من يحمل هاتف متنقل اعلاميا من على هذه المنصات ، وللأسف فإن غياب الرقابة على المحتوى، وغياب الاجراءات المتعلقة بالحقوق وغيرها، جعل من وسائل التواصل ملعبا لانتشار الاشاعات والاخبار غير الدقيقة، واستمرار هذا الوضع يخلق تحدياً أمام المؤسسات المعنية لتطوير سياسات واجراءات لحماية المرأة وصون حقوقها وحمايتها من الابتزاز وغير ذلك بسبب الاستخدام الخاطئ لهذه الوسائل، مع صعوبة ذلك في ظل تفشي ظواهر من قبيل  الاعداء المموهين لأنفسهم والمتسترين تحت أسماء مفبركة والذين يسيئون لصورة المرأة في الاعلام.
لذلك فان الوقت قد حان لمواجهة هذا الواقع بكل السبل، انها رسالة مهمة لبناء تحالف يجمع كافة الشركاء الاعلاميين (الاعلام في المجتمع الاكاديمي، وسائل الاعلام (العامة والخاصة)، الحكومة (وزارة الاعلام) والجهات الرسمية،)  لتنظيم وتكامل أنشطتها لدعم قضايا المرأة والنوع الاجتماعي بعيدا عن التنافس، ضمن رؤية لتطوير استراتيجية وطنية لتمكين المرأة اعلامياً، وفتح الآفاق أمام ما يمكن أن تضيفه المرأة فعلياً خارج نطاق الاستخدام التجاري لها كسلعة في التسويق أو الترويج سواءً للمنتجات والخدمات الاستهلاكية، للوصول الى حضور اعلامي لإبداعات من نوع جديد يكرم المرأة بتاريخها ونضالاتها ودورها في المجتمع الفلسطيني.
هذا الواقع يتطلب تتويج نتائج المؤتمر الذي نظمته وزارة شؤون المرأة من خلال اطلاق مبادرة وطنية لتطوير ميثاق الشرف الاعلامي بين كافة الشركاء على المستوى الوطني بهدف خلق بيئة مساندة للإعلام المناصر لقضايا المرأة وتوازن النوع الاجتماعي في كافة وسائل الاعلام المحلية (الرسمية والخاصة). ميثاق يتضمن اتفاقا بين مكونات العملية الاعلامية وفق اطار للقيم الفضلى والمبادئ الاخلاقية التي تحكم العلاقات الاعلامية على أسس من المهنية، ويحمي الحقوق ويوضح الواجبات المتبادلة بين كافة المعنيين، ويضع الاسس المهنية والاخلاقية لشروط العمل الاعلامي بين المؤسسات، بما يحفظ حقوق الجميع وفي القلب منها قضايا النوع الاجتماعي ومتطلبات انصاف المرأة واحترام حقوقها وتوفير بيئة اعلامية تساندها وتطلق العنان لإمكاناتها بما يخدم قضايا المجتمع, وتطوير الواقع الاعلامي للخروج من دائرة الصور النمطية والمساهمة في دعم التنمية التي تقدمها المرأة في المجتمع ، انه ميثاق لمستقبل أكثر أمناً ودعماً للإبداع والمبدعين، ميثاق يحررنا من جمود أدواتنا وتنافسنا السلبي، ميثاق يفتح الافاق لتكامل الادوار واحترام الرأي والرأي الآخر ويستثمر الاختلاف للتطوير واستشراف مكامن الابداع لدى العاملين والمعنيين بقطاع الاعلام، ميثاق يساهم في حوكمة العمل الاعلامي على أسس من التعاون الخلاق بين القطاعات الاعلامية المختلفة، ميثاق للتنوير واستثمار كافة الموارد المتاحة لاستشراف مستقبل اعلامي مهني يخدم متطلبات مجتمعنا ويعزز رسالة الاعلام الهادف والملتزم بالأولويات الوطنية وخدمة المجتمع. ميثاق يعيد تجديدنا ويضيف قيمة جديدة للسلطة الرابعة في مرحلة تتطلب الابتكار في اطار منظومة حوكمة متكاملة.