أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - عام 2000 بعيد كامب ديفيد شن الكاتب الطبيب النفسي آفي شلايم هجوماَ على ايهود باراك في مقال نشر بعنوان "باراك نابليون اسرائيل الصغير" كان  باراك حينها قد أفسد آخر فرصة للتسوية في كامب ديفيد ، الحقيقة أن تشبيهه بنابليون قريب الى حد ما ليس فقط في الغرور العسكري بل بالنجاح والفشل والارتطام ثم العودة.

من جديد يعود اّخر رئيس وزراء لحزب العمل ايهود باراك للمشهد السياسي بعد غياب فرضه حضور نتنياهو وغياب آخر حكومة شارك فيها كوزير دفاع في عهد أولمرت ،يعود بفوة ليس لأنه سيحصد الكثير من المقاعد فقد انطفأ وهجه الذي كان نهاية تسعينات القرن الماضي عندما كان يبدو كاللعبة في نظر العالم والشعب الاسرائيلي بل لأن المقاعد القليلة التي سيحصل عليها في الاستطلاعات اعتبرت الأهم في تغيير موازين القوى وتشكل بيضة القبان في تغيير النظام السياسي في اسرائيل وتحديداً في انهاء حكم نتنياهو الذي استمرت ولايته الثانية لعشرة سنوات متواصلة وتلك سابقة في اسرائيل فهو في الحكم منذ 2009 بلا توقف.

قبل عقدين تماماً عام 1999 انتزع ايهود باراك الحكم من نتنياهو ليسلم الأخير حزب الليكود منكسراً لأرئيل شارون قبل أن يعود بفوة وها هو باراك يعود من جديد لا لينتزع الحكم بل ليرسل نتنياهو مرة أخرى ليس للبيت بل ربما للسجن منهياً حياته السياسية حسب استطلاعات اللحظة.

نتنياهو بدأ يترنح وانكشاف سياسته مع غزة كانت مدعاة للنيل منه وانكشاف ألاعيبه الصغيرة فقد جر النظام السياسي كله وأحدث كل هذا الاضطراب في المنظومة السياسية رافضاً تشكيل حكومة وحدة من أجل مصلحته السياسية في سبيل البقاء في الحكم فقد غامر بالاستقرار السياسي حتى لا يذهب للسجن.

لقد حاول العالم مساعدة نتنياهو كثيراً وكان ذلك مدعاة للاستغراب فقد انتهت الهدايا التي قدمت له قبيل الانتخابات السابقة فقد أهداه ترامب الجولان وأهداه بوتين جثة الجندي الاسرائيلي التي كانت محتجزة لدى سوريا وأهدته سلطنة عُمان زيارة وعواصم العرب أعطته من التطبيع ما كان يريد وفاز في الانتخابات لكن هذه المرة نضب صندوق الهدايا ولم يعد هناك المزيد سوى مواجهة الفوضى التي صنعها في الداخل الاسرائيلي وهنا كانت لحظة وقيمة عودة باراك السياسية.

لا أحد يعرف حتى اللحظة شكل الحكومة الاسرائيلية القادمة ومن المبكر التنبؤ بها بعد مفاجأة الجنرال السابق ولكن الاستطلاعات تحرم نتنياهو من تشكيل حكومة وكذلك التيار المناهض    لنتنياهو أيضا لن يتمكن من تشكيل حكومة وخصوصاً أنه يتم احتساب العرب ، فالعرب كتلة مانعة لتشكيل الحكومة ولكنهم ليسوا كتلة مساندة لحكومة الطرف المقابل وهنا معضلة جديدة لإسرائيل.

فوضى النظام السياسي في اسرائيل أصبحت مرتبطة بوجود نتنياهو ولن تحل إلا بخسارته وغيابه عن المسرح وربما ذلك يمهد لحكومة يكون الليكود جزء منها مع الآخرين فكل من اليمين واليسار لن يصل الى واحد وستين مقعداً اذا أبعدنا العرب عن حسبة حزب الجنرالات وميرتس وباراك وهنا لن يكون الا حكومة يشترك فيها الطرفان وتلك تشترط ألا يكون نتنياهو على رأس الليكود وهو سيقاتل من أجل ذلك .

بكل الظروف نتنياهو الذي تصرف بكل هذا الدهاء واضح أنه وقع في شر أعماله فلم يعرض شراكة حسب رؤية الرئيس الاسرائيلي على حزب أبيض أزرق  ولم يقدم تنازلات طلبها شريكه السابق ليبرمان واستجاب للأحزاب الدينية وهو وحزبه من تقدم بطلب حل الكنيست في سبيل ضرب خصومه وسارت الأمور كما يريد لولا أن ظهر باراك من جديد وتلك لم يكن يتوقعها ليطيح به مرة أخرى.

باراك أسوأ من نتنياهو وكتب كثيراً عن تاريخه اليميني ومعارضته لأوسلو "ب" وافشاله لفرص التسوية وكامب ديفيد وانتمائه للتيار الصقري المتطرف بحزب العمل لكن الخبر السار أن الاستطلاعات لا تعيده ليرأس الحكومة ولكن ساقته الظروف لإنهاء الحياة السياسية لخصمه اللدود.

اسرائيل كلها انزاحت نحو اليمين لا يعني غياب نتنياهو أننا أمام تيار أقل تصلباً أو تطرفاً وهناك وقائع على الأرض فرضتها حكومات اليمين وكذلك اليمين الأميركي والبيت الأبيض لكن المسألة هنا تتعلق برجل أحدث كل هذا الدمار في قضيتنا الوطنية في العشرية الأخيرة بلا توقف...!!!