ماجد هديب - النجاح الإخباري - منذ أن كنا اطفالا نلهو بأزقة الشوارع بألعاب صنعناها من المهملات ،ومنذ أن كنا نلعب بكرات نسجناها من بقايا القماش ،وقبل أن ندرك بأن للحياة اشكال متعددة ومستويات مختلفة، وقبل أن نعلم ايضا بأن في هذه الحياة اديان متصارعة هي سبب ما نحن فيه من واقع معيشي صعب، فان الحرص على أن لا يفوتنا وقائع ومشاهد من افلام ثورات العبيد كان شديدا ،لما في تفاصيل تلك المشاهد من توافق مع العابنا التي ساد فيها التمرد بالفطرة على واقع التعايش مع الظلم ،دون ان نعلم في حينها بأن الاسلام جاء لرفض هذا الظلم وتلك العبودية ، لكن من المؤسف القول بأن تلك العبودية التي رفضناها قبل ان يتشكل وعينا ،ومنذ ان كنا صغارا ،اصبحت الان وللأسف مطلبا هاما يعمل البعض بوعي وارادة منهم  على تكريسها ،حيث بات كُـتّـاب فلسطين يساهمون ومن خلال اقلامهم في حماية الطغيان والدفاع عن استمراره ،فإلى متى يبقى هؤلاء الكُـتّـاب وقودا لاستمرار هدا الطغيان باسم المقاومة والاسلام حينا ،وباسم الوطنية والحفاظ على المشروع الوطني حينا اخر ،لدرجة انني اكاد اجزم بأن كـتّـاب فــلســطين اصبحوا وباختيارهم كُــتّـاب عــبوديــة ،لا كُتّاب حــريــة.

في الوقت الذي جاء فيه الاسلام لرفض الظلم والعبودية ،وفي ظل تأكيد تعاليمه ايضا على ان البشر متساوون فيما بينهم دون تمييز بين عرق او لون ،وفي الوقت الذي وهبنا الله حرية الراي والتعبير، والمعتقد ،والكرامة الانسانية ، وحرية العمل ،والاجتهاد ايضا لرفعة وتقدم مجتمعنا خدمة للناس والاسلام ،فان ما نشهده اليوم من بعض الكُـتّـاب هو اعادة تأسيس تلك العبودية ،سواء باسم الحفاظ على دولة الاسلام وبذريعة الرقي بهذه الدولة والحفاظ على قوتها ،وحتى باسم الوطنية التي اصبحت في حال تناقض ما بين النظرية والتطبيق في الوقت الذي  كان يجب فيه على هؤلاء الكُـتّـاب الدعوة الى اسقاط كل خائن ،او متامر، او خاطف لقضيتنا لأسباب لا علاقة  بانطلاقة ثورتنا بها ،ولأهداف تأخذ  هذه القضية بعيدا عما قدم شعبنا تضحياته من اجلها ،ولكنها هي العبودية التي اختارها هؤلاء ،فأي كُـتّـاب  هؤلاء  الذين يعتقدون ان الالتفاف حول من يمارس الميكافيلية لتنفيذ رغبة الاله في انتشار الاسلام واقامة دولته هو واجب ديني ووطني ،واي كُـتّـاب أولئك الذين ما زالوا يعتقدون أيضا ان في الشعارات وحدها حرية وانتصار؟.

نعم انها العبودية التي يسعى اليها بعض الكُـتّـاب باختيارهم ويبذلون كل جهد لتكريسها، اما من خلال اقلامهم المؤيدة للطغاة، واما من خلال صمتهم على تصرفات هؤلاء وسياساتهم، فأي حياة ذل ومهانة تلك التي ارتضى بها هؤلاء بذريعة انهم يعملون للأخرة، فأي اخرة تلك الذي يبحث عنها هؤلاء في ظل استسلامهم للفساد وخوفهم من رد الطغيان وقبولهم بالصمت والاستغباء ؟، وأي كُـتّـاب هؤلاء الذين يتجنبون الكتابة عن الام ومعاناة شعبهم وحاجاتهم الإنسانية أيضا خوفا من اعتقال، او اذلال واهانة، او قطع راتب؟.

ثلاثة عشر عاما من الانقسام بكافة مستوياته والفساد بكافة انواعه، وثلاثة عشر عاما أيضا من الاستبداد في ظل صمت هذا الكاتب ،وخوف ذلك الصحفي ،وشراء ريشة فنان وتغييب ضميره، وفي أحسن الاحوال انصراف كل هؤلاء وخوفا من عمليات اذلالهم الى اهتمامات دونية، فهل خرج هؤلاء الكتاب بموقف مؤثر للمطالبة مثلا بإنهاء الانقسام؟ ، وهل طالب هؤلاء الجماهير بالنزول الى الشوارع لحماية حقهم الدستوري وممارسة حق الانتخاب والترشح؟ ، وهل وقف هؤلاء وقفة صمت احتجاجا على ما وصل اليه عدد المعتقلين ظلما، وعدد الذين ماتوا من التعذيب ؟، فلماذا إذا يطلقون على أنفسهم القاب كتاب ومثقفين ويرتادون تلك القاعات باسم تلك التوصيفات ،ولا نراهم يأبهون بحقوقهم السياسية إذا كان جل همهم اصبح العمل على تربية أطفالهم حتى يكبروا، فأي تربية تلك في زمن اشتد فيه الحصار الذي زاد من انحدار الاخلاق، وأي اخلاق تلك التي يمكن ان يتعلمها هؤلاء الاطفال في ظل انعدام قيم الكبار، واي قيم واخلاق لهؤلاء الكبار في ظل صمت النخب وقادة الفكر؟.

ما يثير القرف والاشمئزاز حقا هو حينما أرى بعض هؤلاء الكُـتّـاب يبدعون في متابعة تفاصيل طغيان الحكام في بعض دول الجوار ،كما يبدعون في متابعة مباريات كرة القدم ويحفظون اسماء الاندية والقاب المحترفين فيها ،والحديث عما يثار من فساد في صفوف تلك الاندية ،والتنظير على ضرورة انهاء ذلك الفساد من اجل الفوز والتقدم في البطولات الدولية المتعددة في الوقت الذي لا يجرؤ فيه هؤلاء على ذكر ما يسود في بلادنا من طغيان ،وفساد ،وانحطاط واخلاقي أيضا ،مع  تيه للشعب وضياع للقضية ،فاين هي الاقلام التي يجب ان تفضح كل من ينتهك حق الإنسان في الحياة والحرية والسلامة ؟!ام ان اصحابها الفوا حياة العبودية الى درجه دفاعهم عن ضرورة استمرارها ،وبذلك يمكن القول ان  هؤلاء الكُـتّـاب قد اصبحوا حقا وباختيارهم كُـتّـاب عُبوديّة، لا كُتّاب حُريّة.