عاطف أبو سيف - النجاح الإخباري - منح الرئيس محمود عباس وسام الثقافة والعلوم والفنون للشاعر الأردني الكبير أمجد ناصر، وللشاعرة والمترجمة الفلسطينية الكبيرة سلمى خضراء الجيوسي؛ تقديراً لدورهما في إغناء الثقافة العربية وإسهاماتهما في الدفاع عن القضية الوطنية الفلسطينية. تقدير جاء تعبيراً عن امتنان فلسطين للدور الكبير الذي يقوم به المثقفون خدمة لها ولشعبها. إن انحياز المثقف لقضية العرب الأولى انحياز للهوية العربية وللدفاع عن الوجود العربي. وعلى مدار السنوات كان للثقافة دور كبير في تعزيز وتمكين الحقوق الوطنية، ليس فقط في السياق الفلسطيني فقط، بل في خبرات وتجارب الشعوب كافة. الثقافة جدار الهوية الأخير وهي الكروموزوم الخاص بتشكيل الهوية.
ومثل هذه التكريمات تشكل تعبيراً عن الاعتراف بهذا الدور وبأهمية الدفاع عنه وتعزيزه، وإقرار بما للثقافة من دور ومكان في النضال الوطني وفي الذود عن القضايا الإنسانية التي تشكل قضية التحرر قلبها النابض. والاهتمام بمثل هذه القامات الثقافية في الوقت الذي تتداعي الدولة الوطنية بفعل التدخلات الخارجية وما يتم السعي له من تفكيك الهويات العامة لصالح هويات فرعية، وبعبارة أخرى، أمام كل ما يتم من تحولات، فإن التكريم يأتي لإعادة الاعتبار لكل القيم الكبرى التي تشكل جوهر الهوية وسر المقدرة على الصمود. وبهذا فإن الكثير مما يمكن أن يقال عن هذا التكريم أنه استمرار لما قام به جيل الرواد على اختلاف سني عمرهم ومشاربهم ومساهماتهم، والتأكيد على ضرورة الحفاظ عليه. هذا السعي يدلل على قيمة الموروث المعرفي وما يقوم به من تشكيل الوعي والحفاظ عليه. في لحظة ما يجب أن نقف على نهر التاريخ، ونتأمل ما مر به، وما بقي في قاعه؛ من أجل التأكيد على المساهمات الفاعلة التي تدفع عمليات التكوين وتشكل قاعدة لبناء المستقبل. وتأسيساً على ذلك، فإن هذا يجب أن يكون نسقاً شاملاً في الاعتراف بمساهمات الجيل وتطوير الاعتزاز الوطني والقومي بهذه المساهمات. وكل ذلك للعمل من أجل صون المستقبل. لا يمكن تخيل المستقبل بلا تاريخ. ليس لأن المثقف مثل شجرة جذورها ضاربة في القدم وفروعها تصبو إلى السماء، كما يقول إليوت في مرافعته حول المثقف، بل لأن المستقبل ليس إلا صورة مطورة عن الماضي مجبولاً بالرغبة في التغيير. 
هذا يدفع للسؤال الكبير: أي ثقافة نريد؟ سؤال بثلاث كلمات، لكنه يحدد الأولويات ويضع الحدود للإجابات. ما هي الثقافة التي نسعى من أجل تحقيقها؟ إنه سؤال يشبه بحثنا عن مرآة نرى بها أنفسنا. الثقافة مرآة المجتمعات، وهي انعكاس فعلهم في البحث عن تطوير واقعهم والتمسك بماضيهم. إن الثقافة التي نسعى من أجلها هي الثقافة التي تحمي هويتنا، وتشكل روافع تحمي بقاءنا. الثقافة بذلك هي أحد أهم مقومات البقاء والصمود. فقط عبر الاعتراف بمساهمات الأجيال التي أغنت ماضينا وحاضرنا نسعى للعبور نحو المستقبل.
هذا قيل، ربما يمكن أن أسرد شيئاً شخصياً عن الشخصين المكرمين. لم أكن أتخيل ربما أنني سأقوم يوماً بتكريم قامة كبيرة مثل أمجد ناصر ووتد من أوتاد خيمة الثقافة الفلسطينية مثل سلمى خضراء الجيوسي. وباعتبار ذلك الشيء الشخصي من دواعي الغبطة والسرور، فإن أمجد الأردني، الذي نذر نفسه لفلسطين مقاتلاً وشاعراً وصحافياً، حكاية عميقة عن التضامن العربي والعلاقة الحية بين مكونات الشعب العربي. أمجد ناصر البدوي الذي التحق بالثورة الفلسطينية وعمل في صحافة الثورة الفلسطينية وكتب الشعر والنثر نموذج حي في ذلك. واحد من آخر ما كتب أمجد سيرته خلال حصار بيروت، سيرة المثقف والصحافي في النضال بالقصيدة والخبر والتغطية. في السيرة، نقابل شهداء الثورة وقادتها. ياسر عرفات يتفقد الكتاب والصحافيين كما يتفقد المقاتلين. أمجد، الذي سار مع الفلسطينيين طريق المنفي من بيروت وقبرص إلى لندن حين وصل غريباً، فعل كل ذلك بإرادته وبوعي كامل؛ انحيازاً للقضية الفلسطينية وللثقافة المقاومة التي تبحث عن البقاء وتعمل على تثبيت الإنسان. أمجد كما رشاد أبو شاور فلسطيني من أصل فلسطيني. فلسطيني مثلنا جميعاً نذر نفسه لما يؤمن به. أول شيء فعلته، حين وصلت لندن قبل واحد وعشرين عاماً في صيف العام 1998، كان أن هاتفت أمجد الذي كان يعمل في "القدس العربي"، واتفقت أن أراه بعد أسبوع، حيث أخذت القطار إلى برادفود في الشمال. كنت كل أسبوعين آخذ القطار جنوباً إلى لندن حتى التقي أمجد الذي يقرأ ما أكون قد كتبته من قصص قصيرة وهو يقوم بنشرها في ملحق القدس العربي الثقافي الذي شكّل لأكثر من عقدين منبر الثقافة العربية الأول. 
سلمي خضراء الجيوسي تأتي من سياق آخر. شاعرة في مطالعها ثم مترجمة ومشرفة على مشاريع ثقافية كبرى. الثقافة الفلسطينية مدينة لسلمى بالكثير. كما أن الثقافة العربية تدين لها بالأكثر. وكما قالت سلمي في تعقيبها على التكريم، فإن أجمل ما تم لها من تكريم هو تكريم شعبها لها. سلمى من رشحت نجيب محفوظ للجنة جائزة نوبل، وهي من قامت بالإشراف على ترجمة الأدب الفلسطيني إلى اللغة الإنجليزية عبر مشروع ضخم أطلقته في الولايات المتحدة. حين اصطحبت سلمي قبل قرابة عقدين من الزمن في جولة بمخيم جباليا والنواحي المحيطة، مررنا قرب مدرسة أحمد الشقيري الثانوية. وقفت الكاتبة القديرة تروى للشاب الذي كنته قصتها حين عادت من المدرسة في عكا ودخلت على مكتب والدها المحامي، وكان ثمة شاب يتدرب على المحاماة عنده واشتري لها السكاكر. كان هذا أحمد الشقيري الذي تحمل المدرسة اسمه. سلمي كأنها تقول إنها استمرار لهذا النهر العظيم من الأدب والحياة في فلسطين. واليوم حين ننحني أمام  هذه القامات، فنحن نؤكد على تدفق هذا النهر وسعينا من أجل حمايته.