غزة - هاني أبو رزق - النجاح الإخباري - انفجار تبعته صرخة طفل لم يتجاوز السابعة من عمره لا ذنب له سوى أنّه فلسطيني، سقط وسط بحيرة عنيفة من الدم، ليركض محمد الجديلي ليُسعفه، انفجار خطف الصغير تبعه انفجار آخر، أين محمد؟

محمد الجديلي مسعف لم يغب منذ انطلاق مسيرات العودة، كان حاضرًا في الميدان كشعاع من الأمل يضيئ طريق المصابين ويداوي جروحهم بتدخله في الوقت المناسب لوضع لمساته الطبية عليهم، فلا تكاد جمعة تمضي إلا وهو يذرع المكان جيئة وذهابًا.

الحادي عشر من مايو أيار عند الساعة الثالثة بعد الظهر، وقعت الفاجعة حيث شاهد إصابة أحد الأطفال، فذهب مسرعًا بهدف إسعافه، إلا أن رصاصات المحتل كانت أسرع من خطواته المنهكة، لقد تمّ قنصه من خلف سواتر ترابية، من يسعف المسعف؟

على الفور تمّ نقله إلى مستشفى الشفاء ومن ثمَّ إلى مستشفى القدس بغزة، ليمكث هناك حوالي شهر، ويزداد وضعه سوءًا بغيابه عن الوعي، ثمّ تمّ تحويله خارج قطاع غزة ليذهب في رحلة علاجية بمستشفى الأهلي بالخليل ويمكث هناك أسبوعًا، لكن محاولة الأطباء في إنقاذ حياته باءت بالفشل، حيث غادرته الروح في الحادي عشر من يونيو الحالي.

ولم يكن الجديلي المسعف الوحيد الذي ارتقى شهيدًا خلال مسيرات العودة فقد سبقه ثلاثة من زملائه الشهداء، فرزان النجار وعبدالله القططي الذين رووا بدمائهم تراب فلسطين وضحوا بحياتهم فداءً للوطن وحبا بالإنسانية، أسماء خالدة في ذاكرة الوطن، يُضاف إليها الجديلي، الذي يبلغ من العمر (٢٦)عامًا ، يسكن مخيم البريج للاجئين، له أربعة من الأبناء، كان شابًا بسيطًا محبوبًا داخل مخيمه، يعشق المغامرة، عمل كسائق أجرة ومن ثمّ اتّجه للعمل بكلّ جد واجتهاد وإخلاص مسعفًا في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني منذ (13) عامًا.

 زميله أحمد أبو فول قال لـ"النجاح الإخباري" :" تعرّفت على محمد عندما عملنا سويًّا قبل ما يقارب أربعة عشر عامًا، حيث عملنا في أصعب الأوقات خلال الحروب الثلاثة على غزة وفي مسيرات العودة التي تعرضت لإصابة في أوّل يوم أيامها مكثت على إثرها أسبوعين، عام (2008) أسعفني الجديلي".

وأضاف: "خلال الحرب الأخيرة نجونا من الموت بأعجوبة عندما قامت طائرة استطلاع باستهدافنا أثناء تواجدنا بمدينة بيت لاهيا، المسعف شهيد على قيد الحياة حتى يشاء الله".

وأشار إلى أنَّهم سيقومون بمواصلة عملهم في إسعاف المصابين وإنقاذ حياتهم رغمًا عن أنف الاحتلال. ومن جانبه ، يقول سفيان الجديلي ابن عم الشهيد محمد وهو يتستقبل المعزين داخل خيمة العزاء: "محمد إنسان مرح خدوم يحترمه الجميع ويحب أن يساعد الناس، في كثير من الأحيان كان يلجأ له سكان المخيم بالذهاب إلى بيته من أجل مداواتهم وتضميد جراحهم.

وتابع قائلًا: "في كثير من الأحيان كنت أشاهده وهو عائد للبيت بساعات الليل الاخيرة بجروحه المليئة بالغبار والدماء على ملابسه"، وهاهو ارتاح شهيدًا، وسنواصل من بعده المشوار.