غزة - مارلين أبوعون - النجاح الإخباري - العيد في غزة مناسبةٌ للفرح والحزن في آن واحد ؛فأمّا الفرحُ، ففرحٌ بالعيد ولمة العائلة والأصحاب والجيران، وأما الحزن، فينبعُ من الأوضاع الصّعبة التي يعيشُها الناس، في ظلّ الحصار، الذي يفرضهُ الاحتلال الإسرائيليّ، الذي تسبّب باستشهادِ وإصابة الآلاف، إلا أن غزّة، وبالرغم من كل الويلات ، تُقاوِمُ بأنها تتأقلم مع كل الظروف وترفض أن تنكسر ، فتُقاومُ الحزن والموتَ والدمار والخذلانَ بالفرح، والسعادة، وبكل ما أوتيت من قوة ، وبحدود الموجود .

في اليوم الثاني لعيد الفطر المبارك .. يواصل المواطنون في غزة زياراتهم لبعضهم البعض ، وإن اتسمت هذا العام بنوع من التقليص عن الأعوام والأعياد السابقة ,فقد أثر الوضع الاقتصادي وتدهوره على اقتصار المواطنين بالتعايد والتهادي فقط عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عن طريق الاتصال هاتفياً ،كي لا يقعوا في حرج من جراء زيارتهم لأقربائهم وهم لا يحملون هدية بأيديهم .

في هذا العيد اقتصرت بعض الزيارات لأبنائهم وبناتهم ، فقط ،فبعُد الأعمام والأخوال وأولاد العم عن زيارة رحمهم ، لعدم امتلاكهم عيدية نقدية أثناء الزيارة .

عيد الفطر بدا حزيناً في غزة ،والوضع المادي السيئ ، فاقمه أكثر ، فأثر على أواصر المجتمع وصلة الرحم , وخلق فجوة بين العائلات وبعضها ،فقديماً كانوا يقولون أن الأقارب لا يلتقون إلا في المناسبات السعيدة ،الآن هم لا يلتقون في تلك المناسبات أيضاً.

"النجاح الاخباري" رصدت أجواء العيد في يومه الثاني مع المواطنين الذين أكدوا أن العيد بات في غزة يوماً عادياً يشبه أي يوم آخر .

فرحة منقوصة

ميسون أحمد استيقظت منذ الصباح الباكر لترتب منزلها ،وتحضر الفسيخ لزوجها وأولادها، على عادة كل عيد فطر ، وقبل أن تأتي عائلتها لزيارتها ،تقول لمراسلة "النجاح الاخباري" :" استيقظت باكراً وألبست أولادي لبسهم الجديد ، وانتظرت عائلتي لتزورني ،وكنت متعودة عليهم أن يقوموا بزيارتي قبل الظهر ،فتفاجئت بزيارة عمي يهنئني بالعيد ويعتذر عن زيارتي ، لأسباب صحية ، فلم يخطر ببالي أن يكون الوضع المادي هو من منع عمي من زيارتي وزيارة اخواتي المتزوجات وبنات عمومي الأخريات ."
وتضيف:" جاء أبي واخوتي الثلاثة فقط لزيارتي ،وحينما سألت عن باقي أعمامي غير الذي اتصل بي ،قال لي والدي أن وضعهم لا يسمح، فهم لا يملكون العيدية أو حتى أجرة السيارة التي ستقلهم لتلك الزيارات ."

ولفتت أحمد أنها شعرت بالحزن على الوضع الذي وصلت إليه عائلتها وأعمامها .

وقالت:" كم كنت سعيدة وهم يدخلون على بيتي جميعاً ،كنت أشعر بالعزوة والفخر ،وصعب أن أقول لهم أنا لا أريد منكم مال ،المهم أن تدخلوا علي ،لأنني سأحرجهم أكثر ،فهم حتى لا يملكون المال ليدفعوه لسيارة الأجرة لتقلهم لبيتي ."

اكتفيت بالاتصال

المواطن عبد الكريم عيسى من مدينة بيت لاهيا شمال القطاع ، الذي لم يستطع الخروج من بيته نهار العيد ،وزيارة بناته اللتان تقطنان في جنوب القطاع ،فهو يحتاج المال الكثير ليصل إليهن والمال ليعيدهن ،يقول:" اكتفيت بالاتصال ببناتي يوم العيد ،وهن يعرفن وضعي المادي جيداً ،فأنا عاطل عن العمل وأعيش فقط من شيكات الشؤون الاجتماعية ،صحيح أنه يجب علي زيارتهن فهما صلة رحمي بجانب خواتي المتزوجات وعماتي وخالاتي ،ولكن وضعي لا يسمح والله يعلم وهم يعلمون أيضا ."

وأشار عيسى أنه حاول أن يستدين قبل العيد من المعارف والأصدقاء كي يزور رحمه ويستطيع معايدتهن ولكنه لم يجد أحدا ليدينه ،لمعرفة الجميع بأنه لن يستطيع سداد الدين إلا على دفعات وأيام طويلة ."

زرت رحمي فارغ اليدين

الشاب محسن مطر قال :" بعد وفاة أبي حرصت في كل مناسبة على أن أحل مكانه بزيارة الأرحام والاطمئنان على أختي وبنات عمي الوحيد ، والحمد لله لم أتخلف يوماً عن زيارتهم ،وفي هذا العيد وجدت صعوبة كبيرة في تحصيل المال اللازم لزيارة جميع رحمي ، فاكتفيت بزيارتهم ومعايدة أختي وعمتي ،وبنات عمي فقط زرتهن واطمأننت على أحوالهن ،مع أنني كنت أشعر بالحرج والخجل ،وأنا أدخل على بيوتهن فارغ اليدين حتى من الهدية ."

وأكد مطر أن الاسلام لم يوجب الهدية ولكنه شدد على صلة الرحم ، وإن كان يملك المال لن يقصر مع رحمه ، ولكنه يحاول أن لا يقطع الرحم، ويزورهن في بيوتهن كما أمر الله عز وجل .