عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري -   كل محلّل سياسي، وكل من ينشط في مجال الكتابة والبحث السياسي، ويظهر على وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية، يتعرض يومياً من قبل الناس والمارة والأصدقاء، ومن قبل النخب وحتى المنظمات السياسية والاجتماعية وبصورة مركّزة ومتواصلة للسؤال التالي:
إلى أين تتجه الأمور، وما الذي يمكن أن يحدث في حال أن أصرّ الأميركيون على خطتهم، وفي حال أن أصرّت القيادة الفلسطينية ومعها كل الشعب الفلسطيني على رفض هذه الخطة؟
هذا هو سؤال الأسئلة على ألسنة الناس، وفي عقولهم بل وفي قلوبهم أيضاً.
تتفرع الأسئلة وتتوالد من هذا السؤال وذلك من قبيل:
• يا أستاذ، هل نحن في وضع يسمح لنا بهذا الرفض؟ وهل يمكن أن يؤدي رفضنا إلى نتيجة في صالح القضية، أم أن هذا الرفض يمكن أن يؤدي إلى الهلاك التام؟
• على ماذا نستند؟ ونحن نعرف وأصبحنا على يقين بأن الحالة العربية قد تردت إلى الحضيض، وأصبح حال الأمة أسوأ مما كان عليه في كل عصور ومراحل الانحطاط السابقة؟
• هل يستطيع الوضع الدولي أن ينتصر لحقوقنا، وهل يمكن الاستناد إلى الحالة الدولية لردع الإدارة الأميركية عن هذا «الهياج» الذي تتعامل به معنا؟
• هل هناك من أمل ونحن نرى ونلمس في كل يوم وكل ساعة الهجمة الاستيطانية في القدس وفي كل بقعة من الضفة، وهل تبقى في إسرائيل قوى سياسية جاهزة لحل سياسي يقوم على الشرعية الدولية والقانون؟
• ألا ينزاح المجتمع الإسرائيلي بتسارع غير مسبوق نحو اليمين المتطرف ونحو العنصرية السافرة؟
• ما الذي نستطيع عمله ونحن نرى غلاة المستوطنين وعتاة المتدينين القوميين المتطرفين في واجهة المشهد السياسي في إسرائيل؟
• ثم وضعنا الداخلي، أليس هو كارثة ومأساة أن يستمر هذا الانقسام في ظل كل ما نواجه من تحديات وأخطار؟
هل يعقل أن كل ما وصلنا إليه من حالة باتت تهدد وجودنا الوطني، وهويتنا وكينونيتنا، وحاضرنا ومستقبلنا، بل وحتى ذاكرتنا وتراثنا، وصولاً إلى مطاردة حقنا في الوفاء لشهدائنا وأسرانا.. هل كل هذا، وهل كل هذه الأحوال ما زالت غير كافية لطيّ صفحة الانقسام حتى نحاول بقدر ما نستطيع مواجهة هذا الهياج الأميركي وهذا الصلف الإسرائيلي وهذا الهوان العربي؟!
أبدأ بالقول في محاولة الردّ على سؤال الأسئلة، وعلى كل الأسئلة المتفرعة عن هذا السؤال بأن الناس على حق، وأنهم قلقون، لأن غياب اليقين في المسائل الوطنية لا يؤدي إلى مجرّد التشكك، وإنما وفي أحيان كثيرة يؤدي إلى الإحباط، وإلى الاستنكاف والانزواء، وقد يتطور الأمر إلى اللامبالاة وعدم الاكتراث.
ما زال الشارع الفلسطيني في مرحلة طرح الأسئلة، وما زال ينتظر من النخب أن تجيبه عن هذه الأسئلة، وهو من شدة خوفه على قضيته يريد أن يفهم، ويريد أن يدرك المسار، ويريد أن يعرف إلى أين يمكن أن تصل الأمور هذا كله أولاً:
وأسارع إلى القول إنني ألمس من مشاعر الخوف والقلق لدى كل من أقابلهم، وأتعرض لأسئلتهم ـ كما غيري من الزملاء والزميلات ـ إن شعبنا بالرغم من كل عثراتنا وأخطائنا وخطاباتنا ما زال وطنياً مخلصاً لوطنه وقضيته، ومتمسكاً بحقوقه وأهدافه، وحريصاً عليها ومستعداً للدفاع عنها إذا فهم وأدرك واقتنع.
ويكمن في هذا الواقع بالذات سرّ قوتنا، ولغز إعجازنا، وهنا بالذات لدينا ما نفخر به ونراهن عليه.
أما ثانياً، فإن الشارع الفلسطيني قد سئم وملّ كل الشعارات الجوفاء وكل الخطب والخطابات التي تهلّل لمواجهة التحديات ليلاً ونهاراً ولا تقدم في الواقع المعاش خطوة عملية واحدة للمواجهة.
والشارع الفلسطيني لم يعد يثق كثيراً بالحديث عن مقاومة تحول سقفها السياسي الحقيقي إلى أميال الصيد وساعات فتح المعابر، وعدد ساعات التزوُّد بالكهرباء. 
كما أن الشارع الفلسطيني إذا فُرضت عليه المواجهة فإنه سيواجه حتماً، لكن لا يستطيع أحد أن يضمن انضباط هذا الشارع لبرامج وأجندات الفصائل، أو حسابات الربح والخسارة لديها، كما أنه ليس مستعداً أبداً للارتهان إلى أية تجاذبات إقليمية، أو إلى مهادنات سياسية مع النظام السياسي العربي، طالما أن حالة هذا النظام قد وصلت إلى هذه الدرجة من الهشاشة والتداعي، وطالما أن هذا النظام يتحول بصورة متسارعة من نظام مساند إلى عبء جديد وخطير على هذه المواجهة.
وثالثاً، فإن الشارع الفلسطيني يريد تحولات نوعية ملموسة في مسار التنمية، وفي أولويات التحضير لمرحلة طويلة من الصمود الوطني، والثبات والتماسك المجتمعي.
من حق الشارع الفلسطيني أن يخاف، وأن يقلق، وأن يسأل عن المآل والوجهة والسياسات، ومن حقه أن يحاسب ويراقب، إذا أردنا منه أن يشارك ويساهم في معركة مواجهة الأخطار والتحديات.
أما واجبنا نحن معشر المحلّلين السياسيين والباحثين والصحافيين والكتّاب والنخب السياسية والاجتماعية والإعلامية هو أن نقدم للناس الحقيقة، والصعوبات والتحديات للمشكلات والأزمات، وآليات التصدي لها وإيجاد الحلول الإبداعية والعملية والفعّالة لحلها وتجاوزها.
الشارع الفلسطيني بقدر ما هو مستعد لخوض معركة المواجهة الشاملة المقبلة، فإنه من موقع الوعي المتقدم لديه، ومن موقع الخبرة السياسية والكفاحية التي راكمها، أبعد ما يكون اليوم عن الاستعداد المطلوب إذا لم يتم احترام وعيه وتجربته، وتضحياته وكفاحيته الوطنية.
التحدي الحقيقي لأصحاب مهنة القلم هو محاولة الإجابة الصادقة والصريحة والشجاعة على سؤال الأسئلة وعلى كل ما تفرع عنه.
ما يدور في خلد الشارع أعمق بكثير مما يظن البعض، وأهم بكثير مما يظن بعض المثقفين، وحسابات الشارع هي حسابات وطنية خالصة، وجب احترامها، ووجب التعامل معها باعتبارها المصدر الأساس لقياس النبض ومعرفة المكنون الحقيقي للتطلعات ولكل الأماني والطموحات ولكل الآمال والمراهنات.