حسن البطل - النجاح الإخباري - لديّ، في حقيبة شبه سامسونية مهملة، خمسة جوازات سفر عربية لاغية، وكذا وثيقة عجيبة هي بين بطاقة تعريف، وهوية، ودفتر عائلة، كانت أصدرتها منظمة التحرير عشية وثيقة إعلان استقلال فلسطين!
صارت الوثيقة العجيبة «كادوك» بعد أوسلو، حيث لا تفارق الهوية الخضراء، التي تبدأ بالرقم (4) جيبي، ولا أجتاز الجسر للسفر دون وثيقة/ جواز أوسلوي.
العلم رباعي الألوان هو ذاته على الوثيقة العجيبة، كما مرفوع على أراضي السلطة وأيدي شعبها على جانبي «الخط الأخضر» ومخيمات المنافي. لكن ما الذي اختفى؟ إنه النجمة الثمانية على تلك الوثيقة العجيبة، الإجبارية وقتها على أعضاء فصائل (م.ت.ف)، لقاء رسوم لتمويل عجوزات ميزانية المنظمة، التي كانت تموّل الانتفاضة الثانية.
عندما صدرت «الأيّام» اتخذت لها شعارا هو نجمة ثمانية، لكن السلطة الفلسطينية اختارت شعاراً لوزاراتها الانضمام إلى سرب النسور، والصقور، والبوازي العربية. كنت أظن، أو أفضل، لو بقيت النجمة الثمانية شعاراً لفلسطين السلطوية، ليس على ألوان علمنا المشتق من علم ثورة الشريف حسين 1916، بل على الأقل، على علم رئاسة السلطة الفلسطينية.
أعلام دول العالم ألوان وأشكال في ترتيبها، بعضها بنجوم، والآخر بنسور (وصقور وبوازٍ). علم إسرائيل تتوسطه، بين خطين أزرقين، نجمة سداسية، وعلم الأردن ثمة نجمة سباعية على مثلثه الأحمر. لكن تركيا حاولت تصميم علم فلسطيني ليرتفع في غزة الحمساوية، وعلى مثلثه الأحمر هلال ونجمة خماسية بالأبيض.. دون استجابة.
هناك ست دول عربية، إضافة إلى فلسطين، هي: الأردن، الكويت، الإمارات، العراق، سورية والسودان اختارت الألوان الرباعية بتشكيلات مختلفة لأعلامها الوطنية.
في ذاكرتي قصة طريفة عن علم حزب «البعث» وترتيب ألوانه. في الأصل كان الأخضر يعلوها حتى منتصف ستينيات القرن المنصرم، ثم صار الأسود يعلوها كما هو حال العلم الفلسطيني، بينما كان الأبيض يعلوها زمن ثورة الشريف حسين.. كما أعتقد!
خرجت تظاهرة العام 1963 من جامعة دمشق ضد الانفصال، وحمل الطلبة الفلسطينيون علم بلادهم، بينما طلاب «البعث» رفعوا علم حزبهم.. وصارت «طوشة»، وبعدها بسنوات صار علم «البعث» طبق الأصل من ترتيب ألوان العلم الفلسطيني.
أظنّ أن علم الاتحاد الأوروبي هو الأبسط والأجمل فهو 12 نجمة ذهبية ترسم دائرة على خلفية سماوية زرقاء، وقد يُطوى كما طُويت النجمة الثمانية على وثيقة التعريف الفلسطينية التي صدرت قبل أوسلو. لماذا؟ لأن وزير الخارجية الفرنسية عقّب على انسحاب بريطانيا من الاتحاد بأنه مهدّد بالتفكّك، إذا كانت أعلام عربية عدّة مشتقة من ألوان علم الشريف حسين، فإن أعلاماً أوروبية عدّة مشتقة من العراق ثلاثية للعلم الفرنسي: أزرق، أحمر، أبيض، بترتيبات شتّى.
النجوم إمّا خماسية غالباً، أو سباعية، أو سداسية، لكن شعارات الدول، على أعلامها أو غير أعلامها، تتمثل إمّا بالنسور، كما شعار مؤسسات السلطة، أو بالصقور، أو البوازي، وجميعها طيور لاحمة وكاسرة، أو من «بغاث الطير» إمّا يلتفت رأسها صوب اليمين أو صوب اليسار، بينما النسر الروسي القيصري برأسين يلتفتان إلى اليمين واليسار، أي إشارة إلى امتداد روسيا على جزء من آسيا وجزء آخر من أوروبا.
هناك الهلال الإسلامي، بألوان شتّى، على أعلام دول عديدة، وهناك الصليب بأشكال وألوان شتّى على أعلام دول أخرى.
البعض يقول، إن علم تونس هو أقدم أعلام البلاد العربية، والبعض الآخر يقول، إن علم الجزائر الأقدم عربياً، بينما يرى بعض ثالث أن العلم التركي العثماني هو الأقدم بين أعلام الدول الإسلامية، وأن أتاتورك حافظ عليه: هلال ونجمة خماسية بيضاء على رقعة حمراء.
في رأيي أن علم مملكة البحرين وعلم إمارة قطر، المتشابهين لوناً، ربما كانا أقل أعلام الدول جمالاً، فهما من رقعة عنابية من خمس مسنّنات بيضاء للعلم الأول، وتسع مسنّنات بيضاء للعلم الثاني، وإن كانت مسنّنات الأول ترمز إلى أركان الإسلام، ومسنّنات العلم الثاني ترمز إلى كونها الإمارة التاسعة فيما كان يُعرف بإمارات الساحل المتصالح تحت الانتداب البريطاني، كأنها أسنان سمكة «قرش» أو أسنان منشار، بينما صار للإمارات علم مشتق من أعلام الثورة العربية الكبرى.
الشعوب تقدس أوطانها، والدول أعلامها.. لكنّ ثمة دولا تبدّل أعلامها وتظل تقدس أوطانها. دول تكفّن قتلى حروبها بأعلامها، ودول أخرى لا تفعل.

الايام